سماهر الغامدي

إلى متى لا تحترم الأمومة ولا تقدر الطفولة؟

الأحد - 30 يونيو 2024

Sun - 30 Jun 2024

«ممنوع دخول الأطفال» عبارة اعتدنا على وجودها أمام بعض المحلات التجارية وفي قاعات المناسبات والأفراح، وتعايش المجتمع معها وتقبلها ولم تعد تثير غضب الأمهات ولا الأطفال.

ولكن الجديد والغريب في الوقت نفسه، أن يقال «ممنوع دخول عربات الأطفال» إلى محل تجاري داخل مركز تسوق تجاري عائلي!

هذا ما حدث أثناء تسوقي في أحد المحلات التجارية العالمية في شهر رمضان الكريم مع أطفالي، وبعد قضاء ما يقارب نصف الساعة في المحل، طلبت مني موظفة الأمن إخراج عربة الطفل وبداخلها طفلي إلى خارج المحل زعما منها بأن دخول العربات ممنوع نظرا لازدحام المحل. استهجنت طلبها ورفضته رفضا قاطعا. حينها جاءت إحدى موظفات المحل لدعمها والتأكيد على أن وجود عربات الأطفال في المحل ممنوع.

حاولت كلتا الموظفتين إقناعي وقدمتا لي حلا رأتاه لطيفا ومناسبا وهو وضع العربة عند مدخل المحل في ركنه. واقترحتا لي حلا أيضا، بأن يبقى ابني الصغير ذو العشرة أعوام والعاملة المنزلية مع الطفل للاطمئنان على ابني الذي بداخل العربة.

امتعضت جدا مما سمعت، وذكرت للموظفة أنى وإن قبلت ترك العربة لدقائق حتى الانتهاء من عملية الحساب فإن هذا التصرف يسيء للمحل وللشركة ككل، ويعبر عن عدم احترام للزبون بشكل عام والأمهات والأطفال بشكل خاص، وعدم الحرص على تقديم تجربة شراء متميزة من جميع النواحي.

آلمني جدا منظر أبنائي وهم منزوون في ركن المحل عند المدخل وكأنهم معاقبون على فعل معين، وكل ذنبهم فقط أنهم أطفال وغير مرغوب فيهم في المحل. ربما لأن الشركة مكتفية بالمبيعات، ومغترة بالإقبال الشديد في رمضان، ولا يهمها رضا الزبون وعودته مرة أخرى أو عدم عودته.

توجهت مباشرة للمحاسب، وفي أثناء طريقي كنت أفكر ماهي الخطوة الإيجابية التي يمكن أن اتخذها لوقف مثل هذا التصرف ومنع تكراره. وإذ بي أفاجأ بعربيات أخرى في المحل من حولي! هنا أدركت أن ما زعم أنه نظام ليس بنظام وأن هذا اجتهاد شخصي من الموظفات ولا يطبق على الكل وإنما فقط على من نريد ومتى نريد.

هنا طلبت مباشرة من الموظف المحاسب التحدث مع مدير الفرع، وبالفعل جاءت وشرحت لها بالتفصيل ما حدث وذكرت لها أن هذا التصرف فيه عدم احترام للزبون أولا والأمهات ثانيا والأطفال ثالثا. وذكرت لها أن لو افترضنا أن المحل مزدحم بالرغم من أنه لم يكن كذلك في ذلك الوقت فتوجد طرق مختلفة لضبط الازدحام والسيطرة عليه غير إخراج العربيات من المحل. 

وتذكرت وأنا أكتب مقالي هذا أنه في العام الماضي وفي نفس الوقت تماما ونفس المحل أيضا -ولكن في فرع آخر -، منعت من إدخال العربة فرفضت أن أترك العربية في الخارج وذهبت.

وأنا هنا أوجه تساؤلي للآباء والأمهات هل ترك العربات بالأطفال خارج المحل أو عند بابه تصرف تقبلونه وترضونه على أبنائكم لدرجة أن موظفات المحل مستمرات في تنفيذه على مدار السنين؟

هل عجزت الموظفات اللاتي هن في المقام الأول أمهات عن إيجاد حل آخر غير إخراج عربات الأطفال لضبط الازدحام المزعوم؟

هل تقبل شركة لها اسمها أن تترك المجال لموظفيها بالاجتهاد ووضع القوانين المسيئة للزبون؟

ماذا لو صدف أن ازدحام المحل كان بسبب أن كثرة مرتاديه في وقت معين هم من أصحاب الهمم، هل سيكون إخراجهم للتقليل من الازدحام هو الحل؟

لست مختصة في إدارة المحال التجارية أو إدارة الازدحام، ولكني أرى أن أبسط الحلول هو التحكم في دخول الزبائن للمحل بإيقافه لفترات حين ازدحام المحل وإتاحته عند خروج الموجودين. 

وأنا هنا أزعم أن هذا ليس بنظام شركة عالمية منتشرة فروعها في جميع أنحاء العالم. فقد كنت من مرتادي فروعها في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت السمة الغالبة على المحل الازدحام الشديد طوال السنة وفي المواسم كالكرسميس وغيرها، ولكني لم أمنع من الدخول بعربة طفلي إطلاقا. وأكاد أجزم أنه لو حدث مثل ذلك التصرف هناك فسوف تتم مقاطعة الشركة وسوف تتكبد خسائر هي في غنى عنها.

لا أعلم لماذا يترك سن القوانين والأنظمة إلى أشخاص غير متخصصين؟ ليس ذلك فحسب، بل إلى أشخاص يفتقرون إلى الإنسانية والحس بالمسؤولية؟

ولا أعلم إذا لم يكن رضى الزبون والحرص على عودته مرة أخرى هو الهدف الأول لأي محل تجاري، فما الهدف؟

والأهم في هذا كله، إلى متى ننظر إلى الأطفال باستنقاص؟ ونسعى للتخلص منهم؟ ونلجأ لمثل هذه التصرفات دون الاكتراث بمشاعرهم وبمشاعر أهليهم؟ متناسين أن هذا الطفل هو فرد من العائلة وهو المستقبل، وسوف يكبر وستصقل شخصيته كل التجارب التي مر بها في صغره.

وهنا تأخذني الذاكرة إلى التعامل المميز الذي كنت ألقاه في الولايات المتحدة الأمريكية لمجرد أن لدي أطفالا صغارا.

فوجود عربية طفل ميزة تجعلني أتخطى صفوف الانتظار خاصة في المطارات حيث تتم خدمتي والانتهاء من الإجراءات بشكل سريع حتى لا يعاني الطفل والأم التي تعتني به.

أوجه رسالتي إلى كل أم وأب بعدم قبول مثل هذا التصرفات ورفضها رفضا تاما، فلو تكاتفت الجهود واتخذ الأهالي مواقف حازمة لما تكرر مثل هذا التصرف على مدى السنين، ولوجدنا تعاملا مميزا لنا واحتراما لأطفالنا بعربياتهم.

وأقول لأصحاب الشركات ليس من الاحترافية ولا المهنية ولا الإنسانية الطلب من الزبون عدم إدخال عربية الطفل إلى المحل. فأنتم وجدتم لخدمة المجتمع وتوفير حاجياته وليس من المنطق وضع شروط للخدمة.

أضف إلى ذلك، قد يكون الزبون محتاجا لدخول المحل فأنتم تضعونه بين نارين؛ قضاء حاجياته مع ترك أطفاله أو عدم قضائها خوفا على أطفاله ومراعاة لمشاعرهم. وتذكروا دائما الأثر النفسي الذي سوف يترك في نفوس الأطفال؛ فهؤلاء هم صناع المستقبل، ومن لا يلقى الاحترام لا يستطيع تقديمه لاحقا.