أحمد بني قيس

فرسان الهيكل والحروب الصليبية حقائق ووقائع

الأحد - 30 يونيو 2024

Sun - 30 Jun 2024

ماذا تعرف عن الحروب الصليبية؟ وما علاقتها بتنظيم فرسان الهيكل؟ ثم ماذا تعرف عن فرسان الهيكل وكيف نشأ تنظيمهم؟ ولماذا تمت تصفيتهم وعلى يد من؟ والأهم من كل ما سبق، هل لازال الفكر الصليبي المستمد من تلك الحروب حاضرا في الذهن الغربي حتى يومنا هذا أم أن العكس حاضر؟.

بادئ ذي بدء دعونا أولا نقدم مقدمة تاريخية عن الحروب الصليبية بصفة عامة وعن دور تنظيم فرسان الهيكل فيها بصفة خاصة.

إن مصطلح الحروب الصليبية في تعريفه المعجمي هو مصطلح يطلق على مجموعة من الحروب التي قام بها الأوروبيون خلال عصورهم الوسطى ضد المسلمين في منطقتنا ورغم اعترافنا بوجود هدف رئيس لا لبس فيه ولا يمكن إنكاره أو تجاهله خلف شن تلك الحروب والذي يتمثل في رغبة الصليبيين الشديدة في تقويض الإسلام ومنع انتشاره إلا أن هنالك أهدافا أخرى أيضا أسهمت في اندلاع تلك الحروب من بينها الرغبة في السيطرة على الأراضي المقدسة كبيت المقدس لسلب ونهب ثروات أهله وثروات كل من يتمكنون منه سلما أو حربا في محيطنا الإقليمي.

وبالحديث عن تنظيم فرسان الهيكل موضوع البحث فإن تاريخ تكوينه يعود لحقبة العصور الوسطى التي تشهد بأن هذا التنظيم تدرج عدديا حتى بلغ تعداده ما يقارب العشرين ألفا جميعهم فرسان ولمصطلح «فرسان» أهمية بالغة في العرف العسكري الأوروبي في ذلك الزمن، حيث إن كل من يطلق عليه لقب «فارس» في تلك العصور يعتبر محاربا مشهودا له بالقوة والكفاءة والتمكن ما جعل هذا اللقب أقرب ما يكون لرتبة عسكرية تجعل حاملها محل هيبة ورهبة الجميع.

ولكن عندما ألحق القائد المسلم الشهير صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين ذائعة الصيت الهزيمة بالصليبيين الذين كان يقودهم حينها الملك ريتشارد أو قلب الأسد (كما كان يكنى) نتج عن تلك الهزيمة من ضمن ما نتج خسارة فرسان الهيكل للكثير من الدعم والتأييد بعد أن شاعت عنهم أقاويل حول اجتماعات واحتفالات سرية مشبوهة كانوا يقيمونها ما أثار شك وريبة العامة نحوهم فانتهز «ملك فرنسا» في حينه تلك الفرصة للتخلص من التنظيم وإنهاء وجوده فقام باعتقال الكثير من أعضائه وأكرههم تحت وطأة التعذيب على تقديم اعترافات مختلقة تتهمهم بعبادة الأوثان وبممارسة المثلية لينتهي مصير الغالبية منهم بالإعدام حرقا.

بعد هذا السرد التاريخي الذي تؤكده كافة الوثائق والحقائق المتداولة عن تنظيم فرسان الهيكل وعن الحروب الصليبية بشكل عام ننتهي لطرح تساؤل أخير بالغ الأهمية أشرت إليه في المقدمة وهو هل بالفعل انتهت الأطماع الصليبية وانقرضت أهدافها كفكر وعقيدة عند الغربيين في النيل منا كمسلمين دينا ودنيا؟

تجيب على هذا التساؤل عدة مواقف غربية منها المعلن ومنها ما تبوح به فلتات اللسان حيث يشير كلا الحالين إلى أن هذا الموقف العقدي والاستعماري المعادي لنا لا زال راسخا في الذهن الغربي خاصة عند بعض النخب الحاكمة وبعض النخب الدينية.

من بين هذه المواقف التي تؤكد استحضار الغرب للنهج والفكر الصليبي ما قام به الجنرال الإنجليزي «إدموند ألنبى» بعد احتلال فرنسا لدمشق حيث كان أول أمر بدر منه هو الذهاب إلى قبر صلاح الدين ليقول “ها قد عدنا يا صلاح الدين”.

ومن فلتات اللسان التي تزيد هذه الحقيقة حضورا ما زلة لسان جورج بوش الابن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية به على سبيل المثال حين وصف غزو أمريكا للعراق بالغزو «الصليبي» ليعود لاحقا لمحاولة استدراك ذلك بدعوة المسلمين لعدم اعتبار تلك الزلة دليلا على أن ذلك الغزو ليس سوى امتداد لحروب الصليبيين الغابرة إلا أن ذلك التأويل انطبق عليه المثل الإنجليزي القائل «To Much Too Late» والذي يعني «كثير أتى متأخرا» بعد أن سمعه وتناقله الكثير مسلمين وغير مسلمين.

إن ما يجب أن يعلم أخيرا بأن هذا الحدث التاريخي (الحروب الصليبية) رغم وجود أناس مسؤولين مسؤولية سلطوية أو دينية حاليين لازالوا يتبنون أفكار ذلك الحدث وأهدافه إلا أن ذلك يجب ألا يدفعنا لإصدار حكم قاطع ينال من جملة الشعوب المسيحية غربية وغير غربية؛ لأن في ذلك تعميم باطل لا خير فيه وأكثر الناس علما بذلك أولئك الذين تعاملوا مع تلك الشعوب أو عاشوا بينها، فالخير والشر سنة ربانية تطال الجميع وهذا ما ينبغي علينا استحضاره ومعاملة من يسالمنا وفقا له وبناء عليه.