موسى الحريصي

الكتابة والتدوين ليست مجرد عيادة

الأحد - 30 يونيو 2024

Sun - 30 Jun 2024

بلا شك، يلهمنا العمل المكتوب أكثر من غيره. كيف تستطيع أن تقوم بعمل مسرحي وفن درامي دون أن تتقن مهارات الكتابة وتدوينها بشكل يحفظ الحقوق، ويبقي الفكرة ملامسة للمشاعر والأحاسيس، وأكثر دقة ووصولا للعالم، إلا عن طريق تدوينها. في عالمنا الحديث أصبح للكاتب وظيفة يتقاضى عليها أجرا مغريا.

فهي عملية تسجيل للأفكار والمعلومات على شكل نص مكتوب. حينما يكون النص عملا إبداعيا يمكننا خلاله أن نجعل هذه الوسيلة للتوثيق، سواء كانت تجارب شخصية أو أحداثا وأفكارا ومشاعر بكل دقه واحترافية.

على هذا الصعيد، يمكننا أن نكتب ما يقال ونبني في كل كلمة مكتوبة بيتا من المعاني، ونستنبط من كل معنى بساتين من الأفكار الإبداعية.

ما ضاع مكتوب ولا مات محفوظ بين الناس حتى تموت الفكرة من الكتابة نفسها. فكل مكتوب هو فكرة جاهزة للتداول والنقد والتطوير.

دعونا نسمع ونشاهد كل يوم أحداثا وأفكارا جديدة دون أن نكتبها.

سنرى النتيجة بعدها بأيام، أن ما قد سمعناه وشاهدناه بدأ في طريقه للنسيان والتلاشي.

حالنا اليوم هو حال المستعجل، الذي يأكل من طرف الكعكة ولا يتذوقها، ومن نصف الكأس المملوء المعطر بالمنكهات ولا يحسبه إلا ماء يروي عطشه.

لا قيمة للماء ولا للأكل إذا لم يكن هناك عطش وجوع. ولا قيمة للنص المكتوب إذا لم يكن هناك إبداع في تجديد المعنى وخلق الأفكار النافعة.

وهذا هو حال التدوين، حينما يكون فقط مجرد كتابة ليس لها إحساس ولا معنى، ومشاعر تستحق القراءة دونما أي قيمة تذكر سوى كتابة لأجل الكتابة. فعلى سبيل المثال، إن ما يتم تداوله والحديث عنه في عصرنا الحالي، هو بعض المصطلحات القائمة على كتف الكتابة، من أجل العلاج فقط لا غير.

كثر المتحدثون عن أهمية الكتابة العلاجية، وضرورة انتهاجها كوسيلة للتخلص من المشاعر السلبية والقلق والتوتر.

أتفق مع المبدأ، حينما يكون منهجا يحث على التدوين العلاجي المبني على أسس ومهارات يتعلمها المريض، كي يصبح كاتبا قادرا على أن يكون نتاجه نصا إبداعيا يستحق القراءة.

فمهلا بالسادة القراء، حينما يضيع جل وقتهم بين دفتي كتاب لا يسمن ولا يغني من جوع. فهناك مكتبات براقة تعج بالتشكيل والصور والخربشات النفسية، تسعى لنشرها وإجازتها دور النشر، ليس لأنها تحمل الفكرة أو الشعور أو التجربة والمعرفة النافعة، بقدر ما هي تتصدر الكتب الأكثر مبيعا دون قيمة إضافية تذكر للقارئ.

ولا أعرف لماذا أصبح القارئ لا يستطيع الإمساك بكتاب إلا وفي يده الأخرى كوب من القهوة؟.

أستطيع أن أقول إنها أصبحت سلوكا ظاهريا يشبه عيادة معالج لمريضه المهووس بالفضفضة الأكثر مبيعا، فمن ينصف ذائقة القارئ وفن الكتابة حينما تصبح مجرد عيادة لا أكثر؟.

ليتنا ندرك أهمية الكتابة حينما تكون مهارة لنشر الإبداع، وكل ما هو جديد مفيد نافع يلامس ذائقة القارئ والمتلقي، ونعي ما قاله الشافعي:

العِلْمُ صيدٌ والكِتَابةُ قيدُهُ
قَيّدْ صُيُودَكَ بالحِبَالِ الوَاثِقَهْ
فَمِنَ الحماقَةِ أنْ تَصِيدَ غَزَالةً
وتَفُكَّها بَين الخَلائِقِ طَالِقَهْ