علي المطوع

المصير: حق الضعفاء أم استحقاق الأقوياء؟

السبت - 29 يونيو 2024

Sat - 29 Jun 2024

عالم مجنون ببشره النافذين الذين لا يعقلون، حروب تأكل ما تبقى من الأخضر وكل اليابس، وصراعات تنبئ بتغيرات جيوسياسية على مستوى مناطق العالم المختلفة.

حرب غزة جرح ينزف في خاصرة الضمير الإنساني الذي لم تزده محكمة الجنايات إلا نزفا، ولم يعد مجلس الأمن بأعضائه الدائمين والطارئين، سوى لعبة بيد العم سام الذي يفعل قراراته مرة، ومرة يئدها بذلك الفيتو اللعين الذي يعيد الأمور إلى النصاب الذي تريده أمريكا.

إيران شيعت رئيسها ووزير خارجيتها في مشهد كارثي مخيف، يعكس فوضى ومفاجآت عارمة باتت تجتاح هذا العالم المجنون من جديد.

لبنان وكالعادة ساحة أصيلة للاقتتال، ليس من أجل لبنان ولا شعبه المنقسم على نفسه والمقسوم بدون باق على قوى مختلفة، ولكن لتصفية حسابات قديمة وتصفيرها، وفق واقع جديد يراد للمنطقة وشعوبها.

في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، غزت إسرائيل لبنان بحجة مقاومة المقاومة وإبعادها عن حدودها الشمالية، وتأسيس حزام أمني يمنع الفلسطينيين من إطلاق صواريخهم تجاه اليهود في فلسطين، وبالفعل حقق شارون ما أرادته قيادته وأخرج الفلسطينيين، وأقام حزاما أمنيا في الجنوب، وزاد التشرذم اللبناني وتجزأ المجزأ، وأصبح العرب حينئذ ينادون بانسحاب إسرائيلي من جنوب لبنان، بعد أن كان الطلب الذي قبله الانسحاب الكامل من كل الأراضي التي احتلت بعد عدوان الخامس من يونيو حزيران عام 1967م.

اليوم هناك تراشق كلامي بين أذرع إيران في لبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وهناك إشاعات وربما معلومات، مفادها أن إسرائيل تريد اجتياح لبنان، ومع ارتفاع مستوى التصعيد الكلامي بين الطرفين، إلا أن البعض قد يرى في ذلك مؤشرا جادا ومهما في عدم جدية الطرف الإسرائيلي في دخول حرب ثانية في الشمال، وخاصة أن خاصرته الجنوبية ما زالت جروحها تنزف على المستويين السياسي والمادي، عقب العبور الفلسطيني الأخير، وما زامنه من مآس دامية، ما زالت تدور أحداثها الكارثية في قطاع غزة المحاصر منذ عقود والمنكوب منذ السابع من أكتوبر الماضي.

أمريكا تدخل سباقها الانتخابي الجديد، وعلى وقع المناظرات بين العجوزين بايدن وترامب، تدور رحى معركة انتخابية منتظرة ستسفر نتائجها عن وجه شاحب لأمريكا، التي تعاني على المستويين الأخلاقي والسياسي، من أزمات ومفارقات واختلافات، تجعل منها مسرحا محتملا لاقتحامات جديدة لمبنى الكابيتول، رمز السيادة الأمريكية كما حصل في الماضي القريب إبان فوز بايدن على غريمه الجمهوري ترامب.

في الشرق ما زالت روسيا البوتينية تحاول لملمة الأوضاع في أوكرانيا في تحد صارخ للغرب، ومع السيادة النسبية لقواتها في هذا الصراع، إلا أن أحداث داغستان الأخيرة تؤكد أن هذه الحرب تجاوزت شكلها التقليدي، وأسفرت عن نمط عدائي جديد، تمثل في الهجمات الأخيرة التي استهدفت العمق الروسي وسيادته الوطنية وشرفه البوتيني الرفيع!

كل ما سبق ذكره يعكس ويؤكد أن عالمنا اليوم يمر بمخاضات عسيرة تسبق عادة تلك الولادات المتعسرة، وإن حدثت تلك الولادات - ونرجو أن لا تتم - فستكون حكما على حساب الجغرافيا القديمة ووفق قواعد اللعبة الأصيلة التي تقول: إن المنتصر هو من يكتب التاريخ، وهو أيضا من يعيد ترتيب الجغرافيا ورسم خرائطها من جديد، وفق مصالحه وأطماعه، تحت الشعارات نفسها؛ العدالة والمساواة وحق تقرير المصير، رغم أن الشواهد تقول إن هذا العالم المجنون بات يسلك الطريق المنحدرة تجاه واقع مأساوي أليم، ترجو الإنسانية الراشدة أن لا يكون إلى جهنم وبئس المصير!

alaseery2@