خالد العويجان

الغارقان في الوحل وحرب الساعات الأخيرة

السبت - 29 يونيو 2024

Sat - 29 Jun 2024

ضباط الإيقاع متأهبون، ومن تحكمهم شهوة الحرب، ورائحة الدماء، ومناظر الجثث؛ كذلك.

ومهندسو التكتيكات الحربية جوا وبرا، أخذوا مواقعهم، كل حمل حقيبته، ودرس أهدافه، ورحل.

الجميع يريد النيل من المصنفين في خانة الأعداء. والكل يعادي الكل في جزء من عالمنا، وفي منطقتنا بوجه الخصوص.

والتعبئة العسكرية والشعبية، استعر فتيلها من غزة، حتى الضاحية الجنوبية لبيروت، والعكس صحيح. والمجنزرات في طريقها للهدف. تل أبيب عقدت العزم على الانتقام من ميليشيات حزب الله.

برأيي تستحق هذه الشرذمة دك أنفها في التراب، بعيدا عن الأفكار الشعبوية التي تقتات على فتات مفهوم السياسيين.

قد يقول قائل؛ هل أنت ضد حزب الله مقابل إسرائيل؟ الجواب: نعم. لماذا؟ لأن الطرفين في نظري إرهابيان. كيف؟ هذا وذاك يقتاتان على الحروب والدماء. أعني حزب الله وقادة آلة الحرب في تل أبيب. إنما الفرق بينهما، يكمن في أن الحزب ينفذ استراتيجية وأجندة ليس له فيها أدنى ارتباط سياسي، بقدر ما هو منفذ لحسابات مذهبية وطائفية مقيتة لحساب دولة أجنبية.

ومناهضو الحزب في إسرائيل متعلقون في فكرة الدولة المزعومة. بمعنى أن هناك من يناضل لحسابه الوطني؛ بعيدا عن كونه غير حقيقي، وهنا مكمن الفرق.

المهم في نظري أن استنزاف بعضهما البعض هذا فيه راحة للمنطقة المرهقة من النزاعات والحروب وروائح البارود.

البعض يرى أن هناك تهويلا في فكرة الحرب التي تحضر لها إسرائيل ضد لبنان. قد تصح تلك الرؤية، لكنها لا تعني لي، لأن لبنان في نهاية الأمر ضحية.

ضحية من؟ ضحية لميليشيات حزب الله الإرهابي، الذي عمد على تفتيت الدولة في جوهر فكرته الكبرى القادمة من طهران. لذا فإن التمييز بين الحزب والدولة، بات واجبا على الأقل للمتابعين والنخب والمفكرين، بعيدا عن التصور وفق منظور العقل الجمعي للشعوب المخدوعة.

ما الدليل على ذلك؟ الأخبار التي تقول، إن مبعوثا أمريكيا، التقى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وحمله رسالة ليست للدولة، بل للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. كان مفاد الرسالة يوحي بأن توقعات «أبي هادي» أن الولايات المتحدة الأمريكية، يمكنها السيطرة على العقل الإسرائيلي الباحث عن الحرب، مجانبه للصواب. وذلك يعني التالي:

أولا: أن رئيس مجلس النواب اللبناني وهو المتحكم في السلطة التشريعية «افتراضا»، رغم أنه ضمن المحسوبين على الدولة العميقة في لبنان – هذا إن تبقى هناك دولة – تحول إلى مجرد ناقل رسائل. وللاحترام التاريخي، سأقول عنه أنه وسيط.

ثانيا: أن توريط لبنان من عدمه ليس ضمن القماشة السياسية الحزبية. وهذا ليس بجديد.
ثالثا: على النطاق الإسرائيلي، فهذه إشارة على عمق الخلاف مع واشنطن، التي تحتجز بعضا من السلاح الذي يفترض أن يصل تل أبيب، ما لم تتوقف الحرب الطاحنة.

رابعا: أتصور أن في ذلك رسالة مبطنة للجمهورية الإيرانية، التي يقتات شيعة لبنان على فتات ميزانيتها المنثورة لهم، باعتبارهم حفنة من التابعين والمأجورين، خلاصتها «أن الابتعاد عن التدخل في المواجهة أمر إجباري وليس خيارا مطروحا على الطاولة». يفترض أن تفهم طهران تلك الرسالة.

أعتقد أن إيران لا تريد المواجهة المباشرة مع إسرائيل، بدليل اعتمادها على سياسة الوكلاء. هذا أمر. الأمر الآخر، فهي تخشى كسر شوكة أحد منفذي سياستها الخارجية، فيما لو أقدم بنيامين نتنياهو على تنفيذ وعيده بدك معاقل حزب الله في العمق اللبناني. وقد تتسع المواجهة إذا ما بادرت إيران بفتح جبهاتها على مصراعيها وهذا ليس في مصلحتها. على الصعيد الشخصي أستبعد ذلك، لأنها لا تجرؤ على المواجهة، وهذا جزء من عقيدتها السياسية والعسكرية وليس وليدا للصدفة.

في المنطقة لا أحد يريد الحرب، عدا السيد حسن نصر الله في لبنان، ونتنياهو في تل أبيب، وهما يعتمدان التجييش الشعبي لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية. بمعنى، أن لا الأول يهمه لبنان، بل تحقيق مصالح عابرة للقارات كما ذكرت آنفا، والثاني يسعى لكسب أهداف حزبية، وفرض نفسه على الخارطة السياسية في الداخل الإسرائيلي، لا أكثر ولا أقل.

في الحقيقة إن تم تنفيذ التهديد والوعيد الذي سارت من أجله مجنزرات الجيش الإسرائيلي وباتت في حدود متاخمة للبنان، فإن الخاسر الأول والأخير هو الإنسان اللبناني المغلوب على أمره، والخاضع لجبروت سلاح حزب الله المتطرف، والذي يعمد على ممارسة الإرهاب ضد الشارع اللبناني، ليس من الأمس واليوم، بل منذ أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها، بعد أن أخمد اتفاق الطائف الذي رعته المملكة عام 1989م، نيران ذلك النزاع التاريخي.

إن المنطقة ليست بحاجة إلى مزيد من الضغط الذي يقوم على الحروب وصب المزيد من الزيت على النار، وليست بحاجة إلى الاستماع لهرطقات السيد المختبئ في جحور ضاحية بيروت الجنوبية، ولا للمتطرف وقاتل الأبرياء القابع في تل أبيب.

لأنهما مجرد غارقين في الوحل التاريخي، ودماء الأطفال والنساء والشيوخ. اعتادوا على رائحتها، وباتت تحكمهم شهوة القتل والتشريد. يجيدان اللعب على عاطفة الشعوب، ويبرعان في تصدر المشهد العام؛ عبر اختلاق حرب الساعات الأخيرة. قاتلهم الله.