أمين شحود

صفعة على الخد

الأربعاء - 26 يونيو 2024

Wed - 26 Jun 2024

لا أدري سر حالة الخوف التي تنتابني مع بدء إقلاع الطائرة إذ أظل متشبثا بالكرسي وكل ما يمكن مسكه، وكأن التشبث هذا سيمنع عني الموت حال سقطت الطائرة لا سمح الله أو "تفركشت" كما يتوهم أصحاب المخاوف.

ولا تنتهي الحالة إلا بعد الإعلان عن إطفاء شارة ربط الأحزمة ورؤية المضيفات "سردادي مردادي".

وفي آخر مرة شاركني مخاوفي طفل جالس مع أمه في المقعد الذي خلفي، وقد يكون من المريح أن تجد أحدا يشاركك المعاناة، بيد أنه صار يبكي ووددت لو أستطيع البكاء مثله، لكنه محرم في عالم الرجال، ذلك العالم الذي ديدنه الظهور بمظهر الهيبة والشدة والكبرياء وإن كان هشا من الداخل.

حاولت الأم تهدئة طفلها، وكأنها تشير إلى النافذة قائلة "شوف المناظر وحاول تستمتع".

ثمة مخاوف ليس لها إلا الله، وبعضها يقضي على ما تبقى من مشاعر جيدة عند الإنسان، لكن فكرة "الاستمتاع بالمخاوف" أو إيجاد تفاصيل ممتعة في فضاء الخوف جديرة بالاهتمام، ولو أننا استمتعنا بمخاوفنا الحقيقية كما نستمتع بالمخاوف "الآمنة" مثل أفلام الرعب وألعاب الملاهي لخفت علينا وطأتها، وهذا الاستمتاع لا يكون ما لم نعترف بمشاعر الخوف أولا ونتقبلها ونعدها جزءا من كينونتنا ومطبات في رحلة الحياة دون كبت أو إنكار أو مكابرة ثم محاولة معالجتها أو التخفيف من أضرارها أو التعايش معها.

سئل حكيم: ما أكثر ما يخيفك في هذه الحياة؟
قال: تسارع الزمان والدنو من الرحيل.
قيل: ثم ماذا؟
قال: تسابق السيارات في الطريق الدائري آخر الليل وكأنها في "رالي".
قيل: ثم ماذا؟
قال: صرصور قابع خلف الباب لست تدري متى يغدر بك.
وبكى الحكيم، فقيل له: ما يبكيك؟
قال: بسبب الخوف فقدنا الحاضر وقتلنا المتعة وأضعنا الفرص.

ثم إن الطفل قد سمع نصيحة أمه، وأصبح يستمتع لكن ليس برؤية المناظر بل بشخصي الكريم؛ إذ صار يشد شعري ويخرمش رقبتي ويقرصني من أذني حتى وصلت ذروة استمتاعه بصفعة على خدي "بالألم" في الوقت الذي اكتفيت فيه بالنحنحة دون جدوى، وأمه هداها الله "سكتم بكتم" تاركة صغيرها مستمتعا أو ربما هي الأخرى كانت مستمتعة.



ameenshahood@