وليد التميمي

أساسيات الحفاظ على النزاهة الأكاديمية في كتابة البحوث العلمية باستخدام الـ AI

الاحد - 23 يونيو 2024

Sun - 23 Jun 2024


واحد من أكثر الأسئلة تداولا مع بروز ظاهرة استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في البحوث العلمية والأكاديمية هو: كيف بالإمكان اكتشاف ما إذا كان البحث أو الورقة العلمية أو المنهجية الأكاديمية معدة بالذكاء الاصطناعي أم أنها من إبداع الطالب وبنات أفكاره؟
هذا السؤال المركب يحمل في طياته أبعادا مختلفة، فهو مرتبط من ناحية برغبة الأستاذ الجامعي أو المحاضر أو المدرس في تنمية قدراته على ضبط الخدعة التي قد يحاول بعض الطلاب تمريرها عليه بإعدادهم أبحاثا بالاستعانة المباشرة بأحد برامج AI، ومن ناحية أخرى قد يكون مشتقا من النية المبيتة من بعض الطلاب الذين يخططون بالفعل لتوظيف برامج الذكاء الاصطناعي لإنجاز أبحاثهم العلمية ومهامهم الدراسية.

نحن إذن أمام صراع مفتوح ما بين رغبة مشروعة للتكيف مع برامج الذكاء الاصطناعي وتطويعها للحفاظ على النزاهة الأكاديمية، ونية غير حميدة لجعل أدواته وسيلة للاحتيال الأكاديمي والسرقة العلمية والأدبية. وتكمن خطورة الصراع أنه قديم جديد بين جيلين مختلفين، جيل يرى في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تطورا دخيلا على علمه وتخصصه ويصعب تقبله أو حتى هضم أساسياته، وجيل ناشئ يستهويه كل ما هو جديد في برامجه وتقنياته ويستخدمها كألعاب الكمبيوتر البلايستيشن، بما يسهل عليه إتقانها وجعلها أكثر استجابة لأوامره.

إن الإدعاء القطعي بإمكانية الطالب في تضليل معلمه أو أستاذه بإنجاز تكاليفه حصريا ببرامج AI، كمن يقرر فجأة الهروب إلى الأمام، وإنكار أنه يوجد طلاب سبق وأن قدموا بحوثا أو أوراق علميه لأساتذتهم نالت علامات كاملة، وهم لم يرسموا حرفا واحدا في كلماتها، استعانوا بصديق أو متخصص بمقابل لكتابتها من الألف إلى الياء، وهذا الاحتيال إذا كان شائعا في الماضي بتدخل شريك «حي» أصبح متاحا في الحاضر والمستقبل، بوسيط الكتروني مبرمج، مطعم بمعلومات مصدرها الإنسان ولا أحد غيره. ولمكافحته وضبطه تبقى المسؤولية على عاتق الأستاذ أو المدرس الذي يخضع حينها لاختبار ثلاثي الأبعاد: اختبار لمستوى ثقافته، وخبرته العلمية، وعلاقته بطلابه.

فمن غير المنطقي أن طالب محدودة قدراته المعرفية، ويجهل أبجديات المناهج العلمية، وكتاباته السابقة تعاني من الخلل في ترابط السطور وانفصام في الأفكار، يتقدم ببحث رصين بين عشية وضحاها، وعليه فإن من واجب الأستاذ طرح أسئلة دقيقة عليه في صلب البحث، ومنهجيته، وإذا اقتنع بأجوبته عليه أن يدقق في أسلوب السرد في منهجيته، لأن البحوث التي تعد ببرامج الذكاء الاصطناعي تشوبها اللغة الجامدة والكتابة النمطية، وتوجد فراغات ما بين فقراتها من السهل تحديدها بإعادة قراءتها من جديد، وتتبع الهوامش والمراجع والمصادر في خاتمة البحث، فأحيانا يحيلك برنامج الذكاء الاصطناعي إلى روابط مغلقة أو غير مفعلة في محاولة لإيهام القارئ بقيمة البحث وأمانة كاتبه الأكاديمية.

ولمواجهة أدوات اكتشاف النصوص المكتوبة بالذكاء الاصطناعي.. عكف أرمين المرداني، المحاضر بجامعة ولونجونج، وإيما أ. جين، الأستاذ المشارك، بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني بأستراليا، في دراسة نشرت في موقع المستقبل الأخضر، على تقديم البدائل للمعلم حتى يتمكن من التمييز بشكل موثوق بين النص مبدئيا، من خلال:
مصنف OpenAI الذي يحدد بدقة 26% النص الذي تم إنشاؤه بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي كـ (إيجابي حقيقي)، بينما سمي النثر البشري بشكل غير صحيح الذي أنه تم إنشاؤه بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي بنسبة 9% من الوقت بـ (إيجابي كاذب).

أو مصنف أدوارد GPTZero، لقياس الارتباك في مدى تعقيد النص، بناء على عاملين: الحيرة والانفجار، أي عدم تراتبية المعلومات في فكرة وغزارتها في فكرة أخرى.

أو أن يحتوي النص المكتوب بالذكاء الاصطناعي وفقا لدراسة نشرها موقع مسبار، على «علامة مائية»، كبصمة غير مرئية للقراء البشريين، يمكن التقاطها بواسطة البرامج لمكافحة التضليل في كتابة المحتوى. على أن تتضمن «وضع قائمة سوداء» لبعض الكلمات المحتملة والسماح للذكاء الاصطناعي باختيار الكلمات فقط من «القائمة البيضاء»، نظرا لأن النص المكتوب بشريا ستطغى عليه كلمات من «القائمة السوداء»، من السهل تمييزه عن النص الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

نحن إذن أمام معطيات بشرية وفنية جديدة تسهل كتابة البحوث العلمية بالاستعانة ببرامج الذكاء الاصطناعي وتسرع إنجازها عشرة أضعاف الطرق التقليدية شريطة عدم ترك الباب مفتوحا لمن يحاول الاحتيال والتضليل والخداع حتى لا تكون التكنولوجيا سلاح هدم لقيم بشرية سامية أساسها صيانة النزاهة الأكاديمية أولا وأخيرا.