خالد العويجان

النكبة الجديدة

الاحد - 23 يونيو 2024

Sun - 23 Jun 2024


الفرص محفوفة بالخطر على الدوام إذا ما أسيء فهمها وتبددت إمكانية استغلالها.

والكثير منها لا يستمر على طبق الذهب الذي قدمت عليه، ولا تبقى على الطاولة.

بعضها يأتي مرة واحد وإذا ذهب لا يعود.

والآخر ربما يعود، في سياقات تموضع مختلفة، قد لا تتناسب مع الظرف والزمان.

كتبت هنا قبل أسابيع؛ أن الغرب وجدوا أنفسهم مضطرين، ليس من باب الترف، إنما من منطلق الحاجة، أو بالأحرى «الإفلاس السياسي»، للجوء للمبادرة العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية عام 2002 في قمة بيروت، والتي أطرت حلا مستداما للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وهذا ليس من ضرب الخيال، إنما يستطيع المرء اكتشافه، بالنظر بدقة إلى خطة بايدن التي وضعها على طاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتنياهو، فهي بنهاية الأمر مقتبسة بحذافيرها من تلك المبادرة. ليس هذا موضوعي، إنما قضيتي ملف آخر هذا اليوم.

حكايتي هذا الأسبوع؛ تتمحور حول أن الخطة تلك اصطدمت بتطرف الليكود الإسرائيلي، الذي يعمل على التسويق لبنك أهداف، لم يحقق أكثر من تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين. بالمناسبة من يجد فرصة الاطلاع على الإعلام المحلي الإسرائيلي، سيكتشف أنه ثمة حالة غضب في الرأي العام، سببها فشل الحكومة المتعجرفة؛ وذلك أصاب حكومة نيتنياهو بالارتباك، وعمدت خلط أوراق «الضفة ورفح»، في محاولة لشراء الوقت، اعتمادا على رفض فكرة الحل وأمل الانتصار.

ذلك الارتباك خلق محاولات حزبية وسياسية؛ لمخادعة الشارع، اعتمادا على شعارات يقتات عليها الليكود. ماهي؟ الأول: تغييب الشارع المحلي عن الحقيقة، عبر تكريس مفهوم، استعادة هيبة الكيان التي كسرت في وضح النهار بتاريخ 7 أكتوبر. الثاني: محاولة كسب ثقة الرأي العام المحلي بحزب أثبت فشله. الثالث: إلغاء تصور التبعية للإدارات الأمريكية المتعاقبة، للوصول إلى تجاوز العقدة الكبرى – أن إسرائيل دولة ناقصة تقوم على الاحتلال لإنشاء وطن مزيف -، لدى الدولة العميقة في تل أبيب، التي تتشكل من مجموعة من المفكرين الصهاينة المتطرفين دينيا وسياسيا.

بالمناسبة، سأعلق على أحداث 7 أكتوبر؛ وأقول، أني لست مؤيدا لحركة حماس، ولا مع افتعال الحروب، ولا المغامرات غير المحسوبة، ولا المقامرات السياسية، ولي في ذلك أسبابي الخاصة، أهمها: رفض خدمة حركة حماس وفتح المجال أمامها لأن تكون ندا للقوى المتصارعة التي تفوقها في السياسة والعسكرة؛ أو ما يمكن وصفه بإعادة صناعة الحركة سياسيا، وهي الموصوفة بالمسلحة، ولا أريد القول بالإرهاب؛ لأن الظرف والتوقيت غير مناسبين.

يمكن القول، إن لكل زمن دولة ورجالا.

والرؤية العامة للعالم في هذه الحقبة التاريخية العصيبة، تشير إلى كثير من الملفات المعقدة.

بمعنى أنه يجب على كل صاحب مشكلة، النظر للآخر، والجزء الهام والملفت من التعقيدات العالمية.

صحيح أن مشكلة الحرب على غزة، التي تتصدر المشهد الإقليمي معاناة لا يمكن القفز عليها، لكن العالم بأسره يعيش فترة مخاض عسير.

ففي المقابل هناك كثير من الملفات الشائكة بين واشنطن، والأخ فلاديمير بوتين، الذي يحاول من خلال الحرب مع أوكرانيا، لملمة جراح الأجداد، وحياكة الخرائط من جديد. فهو يرى أن ثمة ما يجب أن يعود لنصابه، وهذا حقه الاستراتيجي بالمناسبة.

لماذا؟ لأن أرضيته التاريخية التي تم جرها لحروب ليست في صالحها، فرضت بشكل أو بآخر، مفهوم صراع الكبار.

وربيب المخابرات الروسية مع الوقت، وإلى أن تبوأ منصب الزعيم، بدا حاملا معه ورثه التاريخي وكثيرا من الملفات الملوثة بالصراعات، كهدف يمكن استعادته طال الزمان أو قصر.

وفي الجانب الآخر من العالم، ترفض تايوان زعامة التنين الصيني، وبين البلدين ما صنع الحداد، وكثير من القصص التي لا يمكن الفكاك منها إلا بالحديد والنار. والكوريتان كذلك، تعيشان على صفيح ساخن، حيث تجاوز كيم جونغ أون الزعيم الكوري الشمالي قبل أسابيع على الجارة الجنوبية، بإرسال مناطيد من القمامة؛ في آخر صيحات الاستفزاز «الجونغية».

أعود لقضيتي؛ وأقول، بأن «اتفاقية أوسلو» ذهبت مع الريح.

ومناورات ياسر عرفات تجرعت السم، ودفنت معه.

ولاحقا ذهبت مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والبقية قادمة.

وهنا يتأكد أن «مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة» هي الخيار الوحيد المتبقي.

وجميع الأطراف أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما القبول بها، أو فتح أبواب جهنم على مصراعيها.

وبكل أسف أن الخيار الأخير، هو الذي حدث بالفعل.

قد تكون تلك المبادرة التي لا تزال مطروحة كفكرة لا بديل لها، اتجهت نحو مسارات أخرى – في وجهة النظر الإسرائيلية ومسألة قبولها أو رفضها - بعد الخنجر التي تلقته تل أبيب في 7 أكتوبر؛ لكن في الحقيقة من الناحية العملية، لا يمكن التجاوز عن أفكارها، لأنها بالفعل، هي المنقذ.

وأقول المنقذ من باب أنها مخرج يكفل التعايش بين شعبين في دولتين؛ لأن الحرب باقية ومستمرة؛ ما إذا كان هناك أحمق في إسرائيل، يفكر بالقضاء على شريحة معينة من البشر. وما إذا كانت تلك الشريحة هي التي ستدفع الثمن.

لوحدها؛ ودون النظر لها ولا لعزلتها ولا لجوعها إلا من بعض دول المنطقة التي تمثل الاعتدال والإنسانية، كالمملكة على سبيل المثال.

إن المقصلة التاريخية، بلا أدنى شك، ستطال يوما ما، الإرهابي القابع في تل أبيب؛ الذي رفض كل أفكار إنهاء الصراع على حساب تسيد لغة القتل.

وأخشى أن تأخذ حقها من بعض الزعماء الفلسطينيين الحركيين الكبار المقيمين في الخارج باعتبارهم باتوا بمعزل عن الإنسان الفلسطيني.

فالقصور مغرية.

والطائرات الخاصة خبيثة.

والمواكب كذلك.

والدولار الأخضر ملعون يسيل له اللعاب.

هنيئا لهم.

والعزاء للقتلى والمشردين. أهلا بالموت.. ومرحبا بالنكبة الجديدة.