بسمة السيوفي

سلخ وجيمي شو

السبت - 22 يونيو 2024

Sat - 22 Jun 2024


ترتدي فستانا أبيض من «هارفي نيكلز»، السمت والنطق راق، فلتر الوجه موجود ليحافظ على بعض الخصوصية؛ فلا نعرفها حتى النخاع، تستعد بابتسامة الواثقين التي تشرق على الأخضر واليابس، وتراود النجدي والحري، بيدها سكين حاد يستسلم لأصابعها الرقيقة، الحذاء أبيض بكعب ماركة «جيمي شو»، تقف في الساحة الداخلية لفناء البيت الأمامي، والخطة هي ذبح وسلخ خروف الأضحية صبيحة أول أيام التشريق، تطبيق السناب شات لا يسمح ببث اللقطات كاملة لأن بها دماء، ولحسن الحظ ظهرت بعض المقاطع المصورة لسلخ الخروف النجدي المعلق بشموخ بجوار باب الكراج، الخروف النجدي من صفوة الخرفان، ويحتفل به في مسابقات ملكات جمال الأغنام السعودية.. المنظر يوحي أنه كان يتدلى بسعادة ليسلخ ويقطع على يديها.. وبكل تناقض مراسم الذبح والسلخ.. مع أناقة وطهر الأبيض الذي لم يتلطخ بنقطة دم واحدة.. وصولا إلى الحذاء الذي يشع فخامة.. كنت أراقب وأنا مدهوشة.

المفارقة أن التي تسلخ وتذبح وتقدم وصفات طبخ عظيمة عبر حساباتها في التواصل الاجتماعي هي ذاتها من تقرأ مختارات لقصائد شعرية في قمة الجمال والشاعرية.. شعر «الأبوذيات» وهو شعر عامي شائع عند أهل البادية، ومقتطفات للأخطل الصغير ولصاحب «الكوكب الأشقى».. وهي ذاتها من تناقش بنضج لافت موضوعات وجودية وفلسفية في العمق السحيق من الذات. وهي ذاتها من تقرأ وتتأمل.. من ترحل إلى سوق الغنم وتشتري «السلطان إبراهيم» من سوق السمك.. ثم تعرج بعدها لتفطر «فولا وتميزا».. وهي أيضا من تذهب ببعضها وتعود إلى النادي الرياضي لتلعب الحديد... تاركة التفاؤل بين أيدينا.

«جيمي شو» لمن لا يعرف هو مصمم أحذية ماليزي بريطاني الجنسية.. بدأ مسيرته المهنية عام 1986م... وتمثل علامته التجارية المشهورة الرمز للأناقة والفخامة في عالم الموضة لتصميمات فاخرة من الأحذية والحقائب والإكسسوارات، يرتديها العديد من المشاهير على السجادة الحمراء وفي الأحداث الاجتماعية البارزة. وقد كان من اللائق بالتأكيد في هذا الموقف الجلل أن يتم التحضير والقيام بعملية ذبح الأضحية وسلخها بما يناسب شخصية من تقوم بذلك... كانت رسالة واضحة بأن الأنوثة و»السنع» يجتمعان.. يقال عن المرأة أنها «سنعة» أو «سنيعة» وهي الجميلة لينة الجسد لطيفة العظام.. التي تتدبر أمورها جيدا.. وقد يلقب الرجل بـ»السنيع».. لدرجة أن هناك رجلا مشهورا بجماله من قريش اسمه سُنَيْعٌ الطُّهَوِيّ.. كان إذا ورد المواسم تأمره قريش أن يتلثم مخافة أن يفتن النساء.

والحق أنني لست ممن يحرص على متابعة المشاهير على شبكات التواصل إلا أن الإيجابية التي تنشرها هذه السيدة، بالرغم من فداحة المفارقات والتمكن من الحيثيات أمر لافت للانتباه وبالغ التأثير.. فهناك مشاركة للخبرة ونشر للفكر الرزين، ومشاطرة للتجارب الحكيمة.. والجميل أنها تأتينا في قالب مرح وساخر قد يساعد الكثيرين على التفاؤل واتخاذ قرارات لتسيير حياتهم.. هنالك إلهام غير متكلف وتوازن مدروس في مشاركة التفاصيل عند مشاركة التجارب الشخصية.. دون تعري أو ابتذال، ودون افتعال للمشاكل مع خلق الله لاستجداء متابعين.

إلا أن أجمل ما تفعله هذه السيدة الفريدة أنها تستخدم التعليقات البناءة بإيجابية دون الشعور بالإحباط أو الإهانة... التكتيك المتبع أنها تضع التعليق السلبي أو المتجاوز، دون كشف هوية صاحبه.. تاركة من يتابعها ليقوم بالرد و»الجلد المرير» على الملأ.. وهي سياسة ذكية ترفع لها القبعات.

صناعة المحتوى النافع والمشوق يحتاج إلى ذكاء اجتماعي، وإلى التركيز على الرسائل الإيجابية الملهمة التي تحفز الآخرين لتحقيق الأهداف الشخصية، وتقدم معلومات ونصائح تساعد في التطوير الذاتي، أو الحياة المهنية، والصحة النفسية... وإن تم استخدام الصور والفيديوهات بشكل ذكي فإن الأثر يبقى ويمتد، كما يصبح تشجيع المتابعين على المساهمة في المناقشات والحوارات الهادفة ضروريا وذلك عبر الاستجابة لاحتياجات الجمهور وتقديم المناسب، والتفاعل مع التعليقات والاستفسارات بشكل مباشر.

الشهرة أمر معقد يتأثر بعدة عوامل ولها دور إيجابي في التوعية والتأثير على المجتمعات بشكل عام.. إن استخدمت فيما ينفع، وهناك حسابات شهيرة في مجالات متعددة كالموضة، الجمال، اللياقة البدنية، الصحة، والحياة اليومية تعزز الوعي بقضايا مختلفة يحتاجها المجتمع.

وهناك حسابات تلقي الضوء على موضوعات هامة وتجذب الانتباه إلى قضايا الساعة.. وتوجه رسائل إيجابية محفزة.. وبالتالي يمكن للمؤثر النافع عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون قوة إيجابية عندما يكون صاحب رسالة واعية ومسؤولة.

الجمال الحقيقي للمرأة ينبع من داخلها، من صبرها وحكمتها وقدرتها على موازنة أدوارها.. حتى عندما تذبح وتسلخ الأضحية، وأنه يمكن للفتاة أن تصبح أما وسيدة أعمال.. لا ينتقص قدرها الإشراف على بيتها ولا الطبخ.. تواكب مجريات الحياة اليومية في العمل، الأسرة، النشاطات الاجتماعية، والرعاية الذاتية.. ولديها مع كل ذلك.. الوقت للاسترخاء والتركيز على مهام أخرى.

الشاهد أن امتلاك القدرة على التأثير في خلق الله على مختلف مشاربهم.. وإمكانية تغيير أبسط البسيط في حياة الآخرين هو نعمة لا تفوقها نعمة من الوهّاب، وهذا الحساب فيه انسجام أنيق بشكل لا يمكن التنبؤ به إطلاقا، تماما مثل الانسجام بين لبس حذاء الجيمي شو وسلخ الأضحية.. أنت أمام ما يثبت أن الذبول عند البعض خرافة، وأن العطاء المخلص يقابله امتنان لا محدود، وقد يضيع الامتنان وسط آلاف التعليقات ورسائل الاعجاب التي تصل إليها.. إلا أن الله يقذف المحبة في القلوب؛ فنكتفي عن بعد بالدعاء في ظهر الغيب.


smileofswords@