علي المطوع

خروف العيد السعيد

السبت - 22 يونيو 2024

Sat - 22 Jun 2024


ليس بذلك الخروف الذي يضحى به تقربا لله في تلك الأيام الفضيلة، بل هو كائن آخر يعيش بين ظهرانينا، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويغشى الممرات ومكاتب الإدارات.

خروف العيد، هو شخصية عملية فذة، يملك من الكاريزما الناعمة ما يجعله صاحب قوة أنعم في مجاله وفنه، يسعد بذلك المحيطون به، والذين عاشروه فترات زمنية طويلة، صنعت منه خروفا ناعما محبا للخير منقادا للطيبين من الجنسين، خاصة أولئك الذين يؤمنون بحقوق الخرفان وما تتطلبه تلك الحقوق من تعامل واستحقاق.

خروفنا شخصية متجددة يعشق النساء من رأسه إلى أخمص قدميه، خاصة الصغيرات اللاتي لم يبلغن الحلم عقلا وتجربة بعد. وفي المقابل، الغواني اللاتي بادلنه الشعور ذاته أو بعض أجزائه، وإن كن دائما يصرعنه حتى لا حراك به، وبعضهن أمكر خلق الله إنسانا يصرعنه بالكلام المعسول والوعود الفارغة، وفي المقابل تصرعه الأمنيات والأحلام الوردية، بعشق هنا ولقاء هناك ووصل هنا واتصال هناك!.

هذا الخروف يملك ابتسامة ساحرة، وقدرة كبيرة على العطاء. فلا ـ سواء كانت الناهية أو النافية ـ لا وجود لها في قاموسه المحيط، بل يصح القول فيه ما قاله ذلك الشاعر في ممدوحه: (ما قال لا قط إلا في تشهده، لولا التشهد كانت لاؤه نعم)، خاصة من محظياته الوهميين اللاتي يعشقن إشغاله بأمورهن والاشتغال ببعض طلباتهن التي لا تعد ولا تحصى، كل ذلك وخروفنا قادر على المزاوجة بين تلك الطلبات والأمنيات، وإتمامها على الوجه الذي يجعله الكبش الأملح الأول في مكانه، والمتفرد في زمانه.

سيرة هذا الخروف تدرس لكل بهائم الأنعام، الذين ينهجون نهجه ويرون فيه وفي مسلكه ذلك الكمال البهائمي الذي ينشده العشاق والمغرمون من طرف واحد.

فهو يعيش بمعزل عن الضغوط الاجتماعية والعملية والاختلافات التي تورثه المشاحنات والبغضاء، مراقب ماهر لما يدور حوله، وعلى استعداد لنقله مباشرة للمدير، على أمل حزمة علف يحظى بها، أو حظوة تجعله متفرغا لهواياته الغرامية المتعددة، والتي تجعله أسيرا لحالات من العشق والهيام لا توجد أصلا إلا في خياله المعشب دائما!
قرر هذا الخروف أن يكتب سيرته الذاتية، لتكون فرصة لخرفان الغد لمطالعتها والعمل بها والاقتداء بكل تفاصيلها، فراح يكتب إهداءه الأول ويقول فيه: (إلى تلك النعجة الأبية التي تحملتني حملا ثم جذعا وبعدها ثنيا، ثم رباعا وصولا إلى جوامع السفه التي أعيشها وأحيا بها وأموت عليها، أهديك هذا العمل راجيا أن أكون قد وفيتك بعض ما تستحقين، آسرك الأسير، خروف العيد السعيد).

وبعد الاهداء، يبدأ في كتابة فصول تلك السيرة المخضرة بخضرة المراتع التي رعى بها، والتي أضفت عليه كل تلك السكينة التي تتغشاه دائما وأبدا، ثم لا ينسى أن ينسب الفضل لأهله، ويعيد ذكر كل بهيمة أنعام أسهمت في تزكيته وتقويمه حتى وصل إلى تلك المرحلة من النضج والكمال البهائمي القويم، ثم يعرج في سيرته على شخصه السمين كونه كان أحد شواهد مشاريع التسمين في كل الحظائر العملية التي احتضنته، والتي نتج عنها ترشحه للفوز أكثر من مرة، بشرف أن يكون مفطحا على بضعة صحون، لوجبة دسمة على شرف بعض اللحاوات الغانمة التي تفضل هذا النوع من الطعام.

واليوم، وبعد فصول من الجهد والكد والتعب، يستعد خروفنا لتوديع دائرة عمله وكل الدوائر الصغرى التي (خرفنته)، وساقت عليه كل مشاعر الكذب والدجل والمصالح، والتي صنعت منه خروفا وفيا، صلح لكل شيء إلا أن يكون موظفا سويا، هذا الخروف يودع المكان والبعض يذرف عليه دموع الحسرة والألم، نتيجة لفراق خدماته وتضحياته التي تركت أثرا في نفوس المتمصلحين الحاذقين، الذين عرفوه فأحسنوا تقديره، فكان ذلك الخروف الذي أسعد الكثيرين وضحى من أجلهم، ودّعوه بدون ضجيج ولا صخب، فقد ارتأوا أن يتركوه وشأنه ليرعى في ملكوت الله، ويبدؤوا رحلة البحث عن حمل صغير يعاد استئناسه وتسمينه من جديد، ليكون خروفا يأتي بالعيد، وكل عيد وله خروفه، وكل خروف وأنتم بخير.


alaseery2@