أمل عبدالله

هدنة

الخميس - 13 يونيو 2024

Thu - 13 Jun 2024

أتساءل: لماذا يميل الناس عادة إلى الخوف من الفراغ؟، فيمارسون شتى الحيل التي تملؤهم بالصخب، وتطمس ذواتهم الحقيقية. تلك التي لا تتجلى إلا في وضع السكينة والفراغ التام!.
ليس بالضرورة أن يكون شعورك بالفراغ شيئا سيئا، ولا العزلة ولا الخوف ولا المشاعر السلبية.
أحيانا نحتاج أن نشعر حتى نستطعم الحياة ونكون على قيدها. الإحساس بالفراغ يعلمك كثيرا في هذه الأمور، يعلمك أن تنصت لنفسك وأن ترتب أجزاءك التي بعثرتها عواصف الأيام الجامحة.
الفراغ يكشف لك ذاتك الحقيقية، ويجعلك تفهم نفسك، وتفهم ما الذي تريده من حياتك. ولا أنكر أنه أحيانا قد تكون ضوضاء الفراغ أكثر إزعاجا من صخب الشوارع، ولكن تستطيع التحكم فيها. فإذا أحسست أنها أصبحت مزعجة أكثر من اللازم، هدّئها بالاستماع لقصة أو برنامج حواري تحبه، أو آيات قرآنية بتلاوة عطرة. فهذا لا يعد هربا، وإنما هو حسن تعامل مع الموقف، والفرق هو أن الهرب شعور يخالطه عدم تقبل.
فعندما تقوم بهذه الممارسات، فإنك لا تهرب، وإنما تدير الموقف وتحاول السيطرة عليه.
الفراغ ليس أمرا سلبيا كما يتصوره البعض، فأحيانا نحتاج إليه أكثر من حاجتنا إلى العمل والانشغال، لأننا وبطبيعتنا كبشر نحتاج وقتا ننصت فيه لذواتنا، ونتعلم كيف نواجه مشاعرنا المختلفة. فمثلا، عندما تشعر بالخوف فأنت على الأقل ما زلت تشعر ولست بليدا، وما يزال قلبك يعمل جيدا.
لا مشكلة في أن تشعر بأنك خائف ومتوتر وقلق، ولكن عليك موازنة هذه المشاعر بميزانٍ كفته اليمنى خوف، واليسرى إيمان بأن هذا الخوف لن يسيطر عليك.
ومن واقع تجربة، فالتوازن هو أهم نقطة تعلمتها من الفراغ الذي عشته أخيرا. صحيح إنني أحيانا أخاف لدرجة أنني أشعر أنها قد تكون النهاية، ونبضات قلبي تتخطى حدودها، فتصل لخصلات شعري وحتى لأطراف بناني. ولكن، وفي اللحظة ذاتها، أذكّر نفسي بأنني سأتجاوز الأمر وأنه آن الأوان لإشعال فتيل شمعة الإيمان والتماسك، وحمايتها من رياح الخوف والقلق. ومن الأشياء التي جعلتني أقوى ولو قليلا، هو أنني عشت مشاعري وحدي دون مشاركتها مع أحد.
قد يختلف معي البعض في هذه النقطة، واحترم كل الآراء. ولكن قناعتي أن المخاوف والصعاب تشبه كرة الثلج، فكلما انتقلت من بقعة إلى أخرى زاد حجمها وزادت قوتها. فتعوّد أن تخوض تجاربك وحدك، وأن تعيشها بكل تفاصيلها، فهذه التجارب وإن كانت قاسية، فإنها حتما تحمل في طياتها حكمة وسكينة وقوة، وكثيرا من الثبات الذي ستستشعر وجوده مع الأيام.
أوصيك عزيزي القارئ في خاتمة هذا المقال، بألا تقسو على نفسك، فإن كان الأمس مروّعا، واليوم ليس بتلك الجمالية، قد يكون الغد أفضل حالا. طالما لم يأت بعد ولا علم لنا عن خباياه، فما يزال هنالك بصيص أمل. ولا تمارس الهرب فأنت أسير لأفكارك. إن هربت منها فلا مكان للاختباء، واجهها وتفهمها واعقد معها هدنة هدفها إيجاد نقطة التقاء بين الخوف والإيمان والفراغ والصخب. وكل تلك المشاعر المتضادة التي تحملها داخلك.