ياسر عمر سندي

الحج والدج جدلية أزلية

الخميس - 13 يونيو 2024

Thu - 13 Jun 2024


بين الخلافات الفقهية والاختلافات المجتمعية، لا نزال إلى يومنا هذا قبيل وأثناء مواسم الحج نتيه في مسألة ذبح الأضحية لمن لم يحج وفي معجم المعاني هنالك مقولة: «ما حج ولكن دجّ»، أي لم يذهب للحج وقعد انشغالا بشؤونه.

وفي المقابل، تعج مختلف وسائل التواصل الاجتماعي المسموعة والمقروءة والمرئية بالتساؤلات والاستفسارات لاستجداء الإفتاءات لمن لم يحج وأراد القيام بالأضحية، وأخذ شيء من شعر بدنه أو أظافره، هل حرام أم مستحب مكروه أم واجب، هل تحتسب أضحية أم صدقة؟.

هذا السجال وذاك الجدال يقودان إلى عدم الاطمئنان ونشوء الشك في الأذهان.

أود استعراض المسألة من أوجه عدة، كي أصل إلى خيرية الأصل وبركة الفعل، قبل أن ألقي البال لكثرة القيل والقال.

بحثت وتتبعت ردود طلاب العلم والراسخين فيه، لاستدراك الرأي الأشمل للمذاهب الأربع، لأن المسألة تحتاج إلى: علم نقلي، وفهم عقلي، وتفهم وجداني، لاستيعاب النص من حيث الدلالات والمصطلحات والمؤثرات الموقفية التي تسعفنا للتفكر والتدبر أكثر.

فالدليل النقلي الأول الذي روته أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وأظفاره شيئا حتى يُضحي».

والدليل النقلي الثاني عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «أنا فتلت قلائد هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيدي، ثم قلدها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيديه، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيء أحله الله له حتى نحر الهدي».

أما الدليل العقلي، فالأضحية سنة وليست واجبة، وكبار الصحابة أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ لم يضحيا أصلا.

إذن نحن في سعة ومجال يجعل البعض يأخذ بالدليل الأول، ومن أراد يأخذ بالثاني، لأن الغرض الرئيس والمغزى الأساس هو أثر الأجر للمضحي من أضحيته، بإرضاء ربه وتزكية نفسه ومشاركة غيره.

وأما الدليل الوجداني، ما أشاركه الرأي مع أخي الدكتور وليد المصباحي، الباحث في مجال الفقه والشريعة، بأن حصول الاندماج المشاعري بين من حج ومن دجّ في الزمان نفسه مع اختلاف المكان، حتى لا تتأثر نفسية الأخير بالحسرة من باب جبر الخواطر، فالأمر النبوي المشار إليه في الحديث تحقق بمنح الفرصة ليتشارك الجميع بالأضحية من أي مكان كان بالتفاعل المتكامل.

وعندما نتأمل في رد نبي الأمة عمن سأله عما فعله من تقديم وتأخير في أعمال الحج، قال عليه الصلاة والسلام: «افعل ولا حرج»، لنطمئن بأن من لم يحج يشمله ذلك التيسير أيضا.

افعل ولا حرج، أجدها استراتيجية وجدانية عميقة نستشعر منها عظمة ديننا وشموليته، بمراعاة مشاعر المؤمنين أجمعين، والحمدلله رب العالمين. وكل عام والجميع بخير.



Yos123Omar@