سالم الكتبي

عضوية الأطلسي وأزمة شرعية زيلينسكي

الخميس - 13 يونيو 2024

Thu - 13 Jun 2024


تتجه الأزمة في أوكرانيا للمزيد من التعقيد ميدانيا وسياسيا، فعلى الصعيد السياسي يظهر حلف الأطلسي تصميما محسوبا على موقفه بشأن مسألة دعوة أوكرانيا للانضمام، حيث أكد مسؤولو الحلف عدم توجيه دعوة الانضمام لأوكرانيا خلال قمة واشنطن المقبلة، في تأكيد لتصريحات مسؤولين أمريكيين في أكثر من مناسبة إلى أن كييف لن تتلقى دعوة للانضمام إلى التحالف في القمة المقبلة، والأهم من ذلك أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» ينس ستولتنبرغ قد أكد أن دول الحلف ليس لديها حتى الآن تحديد للموعد الذي ستتمكن فيه أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف، وأشار إلى مساعدة كييف على الوصول إلى وضع تتم فيه تهيئة الظروف الضرورية لذلك، حيث يتوجب عليها الوفاء بالمعايير الفنية للحلف ولاسيما من حيث التوافق التشغيلي، وفيما يتعلق بمسألة الانضمام قال «إن زعماء الحلف قد يوافقون على ذلك في مرحلة ما».

الشواهد تقول «إن انضمام أوكرانيا للحلف يحتاج إلى موافقة جميع الأعضاء دون استثناء، وهذه نقطة بعيدة للغاية في ضوء مواقف الأعضاء حاليا، وبالتالي فإن الطلب الذي تقدمت به كييف في سبتمبر 2022 بشأن الانضمام للحلف بشكل سريع، لن يتحقق في الأمد القريب أو لن يتحقق في المطلق. وواقعيا فإن موقف حلف الأطلسي بشأن عضوية أوكرانيا لم يتغير؛ لأنه ارتهن منذ البداية بمسألة العضوية بأنهاء الصراع الراهن مع روسيا، معتبرا أن الانضمام للحلف في ظل وجود الصراع الدائر أمر مستحيل، لكن الجديد أن هناك نوعا من التشدد داخل الحلف فيما يتعلق بمجرد مناقشة مسألة الانضمام».

ثمة أزمة أخرى تعقد الموقف الأوكراني وتتعلق بشرعية الرئيس زيلينكسي، والذي انتهت فترة ولايته كرئيس للبلاد في العشرين من مايو الماضي، حيث يعتبرها زيلينسكي مستمرة ويتذرع بالأحكام العرفية التي تسمح له بتولي أمور البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة، حيث تم إلغاء انتخاب رئيس أوكرانيا في عام 2024، على خلفية الأحكام العرفية والتعبئة العامة، وقال زيلينسكي وقتها «إن الانتخابات ليست في الوقت المناسب».

الموقف الغربي لا يزال يدعم شرعية زيلينسكي، وذلك لعدم وجود بديل واقعي رغم انخفاض شعبيته إلى 17%، حيث أكد ممثل العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي بيتر سانو إنه لا يوجد لدى الاتحاد الأوروبي أدنى شك حول شرعية الرئيس زيلينسكي، فيما أعلنت الأمم المتحدة، أنها ستواصل النظر إلى زيلينسكي باعتباره رئيسا شرعيا لأوكرانيا، وعلى النقيض قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «إن مسألة الاعتراف بشرعية الرئيس الأوكراني ستصبح بلا قيمة بحلول 21 مايو 2024».

في جميع الأحوال، فإن الجدل حول مسألة شرعية زيلينسكي كممثل لأوكرانيا سيضعه في موقف ضعيف نسبيا، لاسيما أمام المعارضة في الداخل، وفي ظل مؤشرات تراجع شعبيته والتقارير الغربية التي تشير إلى حالة استياء من تعيين القائد الأعلى الجديد للجيش الجنرال الكسندر سيرسكي، فضلا عن أن الوضع ميدانيا بات يتدهور بشكل متسارع أعلنت وزارة الدفاع الروسية منتصف مايو عن الاستيلاء على 12 بلدة معظمها في خاركوف خلال أسبوع، وأشارت إلى أن خسائر روسيا على محور خاركوف نحو 1175 عسكريا، فيما خسرت أوكرانيا نحو 9565 عسكريا على جميع محاور القتال، وقبل ذلك كان زيلينسكي قد وصف وضع قواته في منطقة خاركوف، بأنه صعب للغاية.

تدهور الوضع الميداني للقوات الأوكرانية بعد عامين من القتال، وبعد الكثير من الدعم العسكري والمالي الغربي يضع ضغوطا متزايدة على الرئيس الأوكراني من أجل التوصل إلى اتفاق للهدنة مع روسيا، لاسيما مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية وتزايد احتمالات فوز الرئيس السابق ترمب بولاية رئاسية جديدة يتوقع أن يدفع خلالها بقوة باتجاه التفاوض من أجل إنهاء الأزمة الأوكرانية، ومن الصعب أن يواصل تقديم الدعم لكييف كما تفعل إدارة بايدن.

المعضلة الأهم أنه حتى لو تم التوافق على إجراء مفاوضات فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات يتذرع بشرعية زيلينسكي، حيث قال مؤخرا «مع من نجري المفاوضات؟ هذا سؤال ليس من فراغ، نحن ندرك أن شرعية الرئيس الأوكراني الحالي قد انتهت»، مشيرا إلى أن من المهم التعامل مع «سلطات شرعية» تضمن تنفيذ أي اتفاقات يتم التوصل إليها بين الجانبين. وفي هذا الإطار تتشكك روسيا في أن المؤتمر المزمع عقده في سويسرا يستهدف تأكيد شرعية زيلينسكي، وأن هذا الأمر هو تحرك سياسي لا علاقة له بالشق القانوني لشرعية الرئيس الأوكراني.

واقعيا لم يكن من السهل تنظيم انتخابات رئاسية في أوكرانيا في حالة الحرب، حيث لا يمكن ترتيب إجراء الانتخابات وتقديم برامج انتخابية، ناهيك عن أن الدستور الأوكراني يحظر إجراء انتخابات في ظل الأحكام العرفية، المعلنة بموجب حالة الحرب التي تعيشها البلاد، وينص على أن الرئيس يجب أن يستمر في منصبه حتى انتخاب رئيس جديد للبلاد، وبالتالي فإن موقف زيلينسكي سليم دستوريا، ولكن روسيا تتمسك بجزئية عدم توقيع اتفاق مع رئيس منتهية ولايته كونها لا ترغب من الأساس في التفاوض مع زيلينسكي.

ميدانيا وسياسيا يزداد موقف أوكرانيا تأزما رغم إعلان الرئيس بوتين مؤخرا رغبته في إجراء مفاوضات ولكن بالطبع انطلاقا من الواقع الميداني الذي يميل لمصلحة روسيا، وهو ما يرفضه الغرب، لذا لا يلوح في الأفق بوادر لحلحلة الأزمة، ما يدفع بانتظار انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي قد تكشف عن الخطوة المقبلة في أوكرانيا.


drsalemalketbi@