عبدالله العولقي

تضليل الوعي والذكاء الاصطناعي

الثلاثاء - 11 يونيو 2024

Tue - 11 Jun 2024


في السابق، كانت خدع التسويق الإعلامي ترتسم بذكاء بشري خارق، ومن أشهر هذه الشخصيات التاريخية السيد بيرنيز، مؤسس علم الخداع أو التضليل التسويقي، فقد استفاد من قريبه (خاله) عالم النفس الشهير سيجموند فرويد وتحليلاته العبقرية تجاه النفس البشرية، فسخر هذه النظريات واستغلها لتحقيق ثروته المالية خلال التضليل التسويقي.

ففي عشرينات القرن الماضي، كان تدخين النساء من المحرمات الاجتماعية في الولايات المتحدة، لكن بيرنيز رأى الشوارع الأمريكية تكتظ بحركات تحرر المرأة، فعرض خطته التسويقية على شركات التبغ الأمريكية، بأن الفرصة متاحة لها بأن تستغل حركات حقوق المرأة.

فنظم بيرنيز حملة تسويقية بأن تسير النساء المدخنات في موكب حقوق المرأة في شوارع نيويورك، وهنا ربط بيرنيز بين التدخين وحرية المرأة، فصور السجائر رمزا لحرية المرأة.

الحملة التسويقية نجحت نجاحا باهرا، وحققت شركات التبغ ملايين الدولارات من هذه الحملة، نال بيرنيز نصيبه منها!.

تعد هذه الصورة مثالا على النماذج التي كانت تروج في الماضي للتضليل التسويقي، لكن الوضع يختلف في هذا الوقت.

فلدينا اليوم تقنية الذكاء الاصطناعي، وهي تكنولوجيا تتطور بصورة مدهشة جدا، ولديها من قدرات الذكاء والتفوق ما يزيد على قدرات العقل البشري بآلاف المرات، فبإمكان هذه التقنية أن ترسم خططا لا يمكن تصورها أو إدراك أبعادها، إذا سخرت في مجال تضليل الوعي.

لم تعد وسائل الإعلام التقليدية كالتلفاز والصحافة الورقية هي الصورة المؤثرة المباشرة على الذهن البشري، فهناك وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت هي الصورة المؤثرة على العقل بالشكل المباشر، ومن هنا تكمن خطورة التضليل التسويقي عبر تقنية الذكاء الاصطناعي.

ففي دراسة علمية أجرتها مجلة ساينس، ذكرت أن البشر عموما يميلون إلى تصديق المعلومات المضللة التي يولدها روبورت المحادثة chat GPT أكثر من المنشورات المماثلة التي يكتبها البشر.

لكن، لماذا كل هذا التخوف من هذه التقنية الجديدة؟ الحق أن الخطر يكمن في سباق التسلح العالمي بالذكاء الاصطناعي، وهذا واقع الآن ولا يمكن إنكاره، هذا التسلح سيقود إلى تطوير نماذج لغوية قوية تستطيع فبركة محتوى أكثر في الخداع والتضليل، وإلى صراعات سيبرانية عالمية جديدة تقود إلى فوضى خطيرة من منشورات التضليل التسويقي والإعلامي على ساحات التواصل الاجتماعي، ستنعكس بآثارها السلبية على وعي الإنسان، وعجزه عن فرز محتوى الصواب والخطأ.

في الختام، كيف سنتعامل مع هذه التقنية الجبارة؟.

تقول فيلسوفة الإعلام الدكتورة كلاوديا باغانيني، الأستاذة بالمعهد العالي للفلسفة في ميونخ الألمانية: يجب ألا نخشى الذكاء الاصطناعي بهذه الصورة السلبية، فلهذه التقنية أدوار جبارة في علوم الفضاء والتنقيب واستكشاف المياه الباطنة، وفي أمور كثيرة لا يمكن تجاهلها، ويكفي أنها استطاعت تشخيص الأمراض الخطرة بصورة مبكرة، يجب علينا أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي بإيجابية، كما يجب أن نتقبله كما هو. نستفيد من حسناته، ونحاول أن نحد من سلبياته.


albakry1814@