عبدالحليم البراك

الأبلسة (منهج التأثير والاستجابة له)

الاثنين - 10 يونيو 2024

Mon - 10 Jun 2024


يبدو العنوان أكبر من الكتابة عنه في مقال قصير، لكن تبدو الفكرة بوضوح أن ثمة من يستخدم تأثيره من أجل أبلسة أعدائه وتشويه صورته بهدف تعظيم صورته التي تم أبلستها حتى يتم قصر العلاقات الناشئة معه أو أن يشوبها الحذر وتكريس صورة نمطية له.

ولعل أبرز ما يمكن فعله لتعزيز صورة الأبلسة هو تعظيم الأخطاء وتصويرها وكأن هذه الأخطاء قادرة على إفساد العالم، وكأن هذه الصفات لها قدرة على اختراق عقول الناس وأفعالهم ولها قدرات شيطانية تأثيرية تمكنها من تجاوز تقييم الناس للحدث، وغالبا ما تتأثر القوى الضعيفة التي لا تملك الأدوات أو لا تملك الثقة بالنفس للتقييم، فيصبح الصواب من عشرة أخطاء تعضيدا للصورة الشيطانية المصطنعة أو الحقيقة المرسومة عنهم.

ومن صفاتها قدرتها على حماية وهمية لجناب الجماعة بالتأثير عليهم بالإشارة إلى وجود خطر يحيق بهم كلما تعاملت مع الآخر؛ ويؤكد هذا الأمر كل خطأ يمكن أن يحدث من الطرف الآخر واعتباره تهديدا للجماعة أو للجماعات ككل، ولا يقتصر الأمر على هذا فحسب، فمنهج الأبلسة هذا يمكن اعتباره دوائر صغيرة تكبر لتشمل كل شيء كنوع من الخبر الذي يتم استخدامه في كل مرة، فيمكن أن يكون تعميم منهج الأبلسة، ليشمل في تأثيره حتى الأعداء لعزل عدو آخر، ويمكن تصغيره ليكون حماية ودرعا داخل الجماعة نفسها لحمايتها من عواقب التفكير في هذا المنهج، فيمكن بذلك خلق خطوط حماية متواصلة، وكلما صغرت الدائرة كلما أخذت طابع السرية والحذر والنفاق في الجماعة نفسها، وكذلك صفات الاتهام التي تظهر في كل مرة يحدث نزاع؛ سواء يظهر هذا في السلوك أو في اللاوعي لأن ثمة إشارات تمركزت في عقل الإنسان بأن ثمة سلوكا مبطنا يستهدف الجماعة.

يعمل هذا المنهج على عنصر التخدير مستخدما أدوات أخرى تمكنه من فرض رؤيته، وتلعب وسائل الإعلام دورا كبيرا في هذا الأمر، كما أن القوة التي يتمتع بها صانع المنهج قوة أخرى تدعمه، وهذه القوة قد تكون قوة مادية أو معنوية أو شكلا من أشكل الحاجة له في البدء حتى يتم تكريس هذا المفهوم في العقل ويصبح تفكيرا نمطيا لدى المستهدفين فيه. كما أن من صفات الأبلسة هو العزل، ويتشكل العزل على هيئة عزل حقيقي أو عزل فكري شعوري ومهما يكن من أمر، فإن العزل هو هدف رئيسي وإن كانت الصورة النمطية التي نشأت عن الذين تم استهدافهم قد نشأت بقوة؛ فإن هذا يمنع أن يستمر هذا العزل بأشكال مادية ومعنوية وصريحة في قمة هرم الأبلسة ليصبح عزلا مشروعا حتى في الحديث العلني عنه!
إن منهج الأبلسة منهج شمولي التأثير يأخذ في حسبانه تعميم الصفة من جهة وإغفال الحق المكتسب للطرف الآخر في التعبير والتغير بل والتفسير الخاطئ لتصرفاته، ويقتل كل فرص التصحيح الممكنة، بل إن التصحيح غير مرغوب فيه أصلا حتى يضعف الطرف الآخر ويتلاشى وجوديا (بكل معنى كلمة وجوديا) بقي أن نشير إلى أن مفهوم الأبلسة هو إدانة وإدانة لمن لا يدينها بحكم قوة المؤثر وأدواته وضعف المتأثر وقدرته على الذوبان في ثقافة الآخر وعدم قدرته على النقد.

يلجأ الآخر (الطرف الذي تم أبلسته) في هذه الحالة إلى الاعتماد على نفسه في الخروج من هذه الشرنقة حتى ولو استخدم الوسائل المشروعة وغير المشروعة لأن ثمة ما يمس وجوده كما أسلفنا، لذا باتت المقاومة هي سبيله للخروج من الشرنقة المصطنعة وسواء كانت أبلسته في محلها أم لا، فإن تعميم المفهوم واستخدامه بشكل مسيء حتما سينعكس على صفات إنسانية مهمة مثل العدل والحق، وكذلك استخدامه بشكل سيئ يخلق مظلومية كبيرة جدا ترى من خلالها أن لا سبيل من الخروج منها بأي سبيل كان!


Halemalbaarrak@