شاهر النهاري

نعم.. الأطباء يمرضون ويموتون

الاثنين - 10 يونيو 2024

Mon - 10 Jun 2024


مسار ومجال الطبيب يختلف كثيرا عن أهل بقية المهن، فهنالك شق نفسي لا يعرفه سواه، حينما يتعامل مع صحة وحياة المرضى، وكيف أنه في مرات كثيرة ينجح في المساعدة والمعالجة، والنصح في حالات كثيرة بما يفضل أن يكون في وعي وحياة المريض، وربما فيما يجب أن يختار قبل رحيله من طرق معالجة.

الطبيب إنسان، ومرات قد يخطئ، ولكنه يحاول بكل عقله وجهده ومشاعره أن يختار لمريضه الأفضل، من وجهة نظره وعلمه، ومما قد يصعب على المريض استيعابه، خشية مقولة: اسأل مجرب ولا تسأل طبيب.

والحكايات تتكامل أطرافها بمسارات الطبيب العلاجية، وبتزايد خبراته، ونضج مداركه من النواحي التحصيلية والنفسية، حتى آخر عمره.

نعم الطبيب أيضا يمرض، ويسلم نفسه بأيدي زملاء يدرك قدر معرفتهم، وربما لأسماء لامعة في مجال الطب المتقدم، حتى ولو كانوا في خارج وطنه.

وبالطبع فالضعف البشري موجود أيضا لدى الطبيب، فيظل يتأمل، ويزيد رجاؤه وأمنياته ودعاؤه بألا تكون وعكته هذه آخر وعكة يدخل فيها، وأن يتعدى كثيرا من الوعكات القادمة، مدعما بحرصه وخبراته الشخصية، حيال الأمراض، وتخطي الأزمات الصحية، وتأجيل ولوج الممر الأخير.

ولكن السؤال الأهم، يظل جدليا، فعندما تقترب منية الطبيب، فهو أيضا يحاول التدخل في أي إجراء يتم له، بحكم معرفته وخبرته، وقد يدخل في نفس حيرة من كان يوجههم وينصحهم من مرضاه المخطرين، فهل سيختار لنفسه نفس ما كان يختار لهم، أو أنه سيصطدم بالألم الشديد غير المتخيل، والذي يجربه بنفسه هذه المرة، وليس بما يفيده به المريض؟
هل سيختار لنفسه المهدئات القوية، والتي تزيل كثيرا من وعيه بالمحيط، أم أنه سيفضل مواجهة سكرات الموت بدون أدوية؟
هل سيوافق على اجراء عمليات جراحية طارئة، ودخول تخدير، وهو يعلم أن فائدتها لا تتجاوز نسبة ضئيلة، لا تستحق مقابلة ما قد يحدث بعدها من مضاعفات؟
الموت لم يسبق أن عاد منه أحدهم ليحكي عن تجربته فيه، وبذلك تظل التجربة الفردية خير برهان، والطبيب هنا يختار الطريق لنفسه، وليس لغيره، تجربة مغلق طرفها البعيد، ما يزيد عسر الأجوبة، وخيالاتها، وحرج الاختيار بين معالجة وأخرى.

فتحة في العنق، تنفس اصطناعي، فتحة للمعدة، وسحب البول من المثانة مباشرة، وغيرها من القرارات الصعبة، يكون من الأهمية القصوى للطبيب المريض اختيار ضرورتها وجدواها، والمقارنة بين ألمها، وبين فقد وعي قد يطول، ويقين بأن البوابة الحتمية تقترب، وأنه مستسلم للنتائج، ودون خوض تجارب وتطلعات، واستعادة.

الأطباء أيضا يعانون من الأمراض القاتلة، وأفظع ما في سوء اختياراتهم أنها لا تكون مستعادة، ونتيجتها يتيمة، تنهي الحكاية والطموح والمعرفة والمشاعر المترددة المتشبثة بالفرق بينه وبين مريض مستسلم للمتخصصين، أثناء قبوله النتيجة على مضض.

حقيقة أخرى أن الطبيب كبير السن، وبعد عمر طويل من التقاعد عن مزاولة الطب يفقد الكثير من المعلومات المحدثة، وربما يجد نفسه، مجرد مريض، يسأل الطبيب الحالي، حتى ولو كان من تلامذته، ويثق بكلامه أكثر مما يثق بذاكرته التي عاث بها النسيان، لدرجة عدم التنبه لمواطن التجدد في العلوم والخطورة، كما كان يعيها في قمة عطائه، وغروره!



shaheralnahari@