ياسر عمر سندي

صناعة الموظف الطائر

الأربعاء - 05 يونيو 2024

Wed - 05 Jun 2024

يحكى أن رئيسا تنفيذيا لواحدة من الشركات الرائدة - وهذه رواية مباشرة لأحد موظفيها - في اجتماعاته الدورية لمناقشة الأداء السنوي لتقييم الموظفين على مستوى القطاعات والإدارات؛ يقف ناظرا للجميع بكل استعلاء ويقول «ليس هنالك موظف يستحق في أدائه المتميز Out Standing؛ سوى ذلك الموظف الذي يمشي على الماء» كناية عن الاستماتة والتضحية التي يبذلها المرؤوس من صحته الجسدية والنفسية ووقت أسرته ليقتنع الرئيس بأنه بذل جهدا خارقا وخارجا عن العادة والطبيعة ليستحق التميز؛ أما أولئك الموظفين الذين يحققون أرباحا طائلة ويوفرون خسائر هائلة، في نظره فقط منجزون لأعمالهم لا إفراط ولا تفريط.

في أساس العمل التنظيمي هنالك أضلع ثلاثة ترسم مثلث الأداء؛ أولا الرئيس ثم المنظمة ثم المرؤوسون، وبداخل المثلث تكمن مساحة الأنظمة والقوانين والتشريعات التي تحافظ على قوة واستمرارية وثبات البناء التنظيمي.

برأيي الخاص ومن واقع خبرة عملية وتدريبية بمجال السلوك المعرفي والتنظيمي؛ تنطلق الفلسفة الإدارية بالعلاقة البينية لمثلث العملية التنظيمية ابتداء من الرئيس الذي يؤدي عمله إما بأسلوب القائد أو الفاقد، وما بين عملية القيادة والفقد يكمن التأثير الإيجابي أو السلبي على الموظفين داخل الدائرة الإشرافية.

الرئيس القائد بسلوكه اللفظي والفعلي والإيمائي وبإيحائه لفريق عمله يجعلهم يتقربون منه وينصاعون له بكل حب واحترام وتقدير؛ أما الرئيس الفاقد فتأثيره يمتد على موظفيه بأسلوب لا أريكم إلا ما أرى المؤدي للفردانية في الرأي ونتيجته عدم الانضباط والبعد عن الاتقان.

منهجية القائد يشارك بأسلوب المدرب الموجه لحياة الموظفين المهنية والشخصية Life Coach، يستمع إليهم ويرى الحلول من منظورهم ويحفزهم للنجاح من نظرتهم لأنفسهم والإمكانيات المتوفرة لديهم وكيف يريدون أن يكونوا في مستقبلهم مركزا على روحهم المعنوية.

منهجية الفاقد روتيني يلجأ لتسيير الأعمال وتصريف المهام ومتابعة المرؤوسين إما بالأمر أو النهي بالثواب أو العقاب مركزا على الحضور والانصراف والإنتاجية.

المنظمة هي الضلع الثاني للبيئة العملية فتكون إما جاذبة محفزة أو طاردة منفرة من خلال توفر التقنيات والنواحي المكتبية والمفروشات والإضاءات المناسبة أو انعدامها.

المرؤوسون يعتبرون الضلع الثالث الذي يتأثر بالأول والثاني وكذلك المساحة الحرة من الأنظمة والقوانين والتشريعات.

صناعة الموظف الطائر تنتج من كلا النموذجين القائد والفاقد داخل المنظمة؛ فالقائد يستحوذ بعقلية الوفرة وهي الإنسانية الممتدة للجانب المشاعري أكثر من الإداري، لدفعهم من خلال كاريزما أثيرية وتقديرية ليكون نموذجهم المحتذى به مشاركا لفريقه ويطيرون فرحا واعتزازا كونه قائدهم وملهمهم.

أما النموذج الفاقد يستحوذ بعقلية الندرة التي تحمل نظرية المؤامرة والأنانية بحب الذات والسلطوية الرقابية بتصيد الأخطاء وتضييق الخناق حتى يتطاير الموظفون المتميزون فارين من المنظمة بسبب وصولهم لدرجة الاحتراق الوظيفي.

همسة في أذن الرؤساء.. بين القائد والفاقد تتم صناعة الموظف الطائر، فأيهما تكون يكون الموظف.

Yos123Omar@