عبدالحليم البراك

قبل أن نكتئب جميعا!

الاثنين - 03 يونيو 2024

Mon - 03 Jun 2024

كما يمرض الجسد، تمرض الروح، وكما ينهك الجسد تنهك النفس، وكما يصاب الجسد بإصابة، تصاب النفس البشرية بإصابات مؤثرة، بسبب أو بلا سبب يذكر يصاب الجسد؛ فلا يعرف الأطباء السبب فتصاب الخلايا أو تضطرب الهرمونات بسبب أو بغير سبب، ولكنهم – أي الأطباء - يعرفون الأثر على عضو المريض أو على خلاياه، وتلك النفس أيضا قد تصاب هي الأخرى بلا سبب ولا يعرفه الأطباء، لكن مع هذا كله آثار هذه الإصابة واضحة للعيان، والاكتئاب واحدة منها.

يتعرض الإنسان الطبيعي لموجة اكتئاب قد تكون حادة أو غير حادة تطول وتقصر لكن لا يصل الأمر إلى أن يصنف اكتئابه بأنه مرضي؛ لأنه أثر على يومه أو على وظائفه اليومية أو على واجباته اليومية أو على الآخرين من حوله، وقد يصل الأمر للإحباط أو الكره، وسوداوية لكل شيء حوله، فلا يصنف بأنه مرضي إن لم يؤثر على يومه وعلى من حوله أو على وظائفه اليومية، وفي تلك الفترة العصبية تتصدر عبارات معينة في ذهن الشخص المصاب تجعل ما حوله جحيما لا يطاق، مثل «لا أريد، لن أخرج، لا جديد يستحق، الهروب أفضل من مواجهة كل شيء، الموت يبدو أرحم من هذا، الظلام والوحدة وأفكاري السوداوية أرحم بكثير من الواقع والناس والشارع، كل شيء مزيف، كل شيء قابل للسقوط والانفجار والخراب، لا فائدة من أي شيء ..» وغيرها من الكلمات التي تعبر عن سوداوية الحالة واليوم والفكر.

إن الوعي تجاه الاكتئاب على سبيل المثال أو المرض النفسي على سبيل العموم ضرورة وعي لا تقل عن ضرورية وعي الناس عن مرض السكري أو مقاومة الكولسترول في الدم أو الفحص الدوري للثدي للمرأة أو مراقبة أداء البروستات للرجل أو غيرها، فجدير بمن يراقب جسده أن يراقب نفسه أيضا خوفا أن تتعرض لانتكاسه هو في غني عنها، خوفا من أن تتدهور في وقت لم يستعد للوقاية النفسية من الأمراض.

وأن يعي أيضا أن مستوى المرض النفسي هو عندما يؤثر على يومك ووظائفك اليومية وأدائك تجاه واجباتك اليومية في حياتك العامة، بل أكثر من هذا هو أن تعرف ما هي الأشياء التي تنقذك من الاكتئاب على سبيل المثال، فمثلا الاختلاط بالناس ينجي البعض من هذه الآفة القاتلة، أو أن التدخل العلاجي هو الحل وربما أن العلاج في المعرفي السلوكي هو ما يمكن أن يقي ويعالج المريض أو العلاج الأسري، أو العلاج الجدلي، فالحوار عن المشكلة يصف المشكلة ويرفع مستوى الوعي فيها ويتم تبادل الخبرات فيها والتنفيس عن مكبوتات المشاعر فيها، وربما يكون العلاج بالتركيز الذهني والوعي بالمشكلة وعلاجها بالمواجهة معها وعدم إنكارها أو ما يسمى بالاستبصار بالمشكلة أو العلاج الجماعي مع المجموعات أو الأفراد أو التنشيط السلوكي وغيرها من الحلول الممكنة.

يبدو أن مهمة مقاومة الاكتئاب أو حتى أي مرض نفسي آخر يبدأ من الوعي فيه قبل الإصابة به، وهذا يحتاج أن تقرأ وتتحدث وتتفهم الحالات النفسية وكيف أنها خارج إرادة المريض وأن الإصابة بها يمكن تجنبها وقد لا يمكن تجنبها ولذلك يجب علاجها وأن الأدوية التي تساعد المريض مثلها مثل أدوية السكري وغيرها من الإصابات، وأن نقلل من نظرتنا الدونية للمريض ولعل الإحباط الذي يصاب به الناس خلال مسيرتهم بالحياة شكل من أشكال الاكتئاب لو تطور الأمر أكثر من وضعه الطبيعي، ولكننا لا نراها بشكل واضح إطلاقا ليس لأنها ليست واضحة بل مخفية.

أبرز أمثلة الإحباط النفسي الذي يكاد يصل للاكتئاب الجلوس القسري في المنزل أو في المستشفى نتيجة إصابة جسدية، هذا يؤثر في النفس بشكل كبير جدا أحيانا بلا شعور للمريض ومثله أيضا مرحلة ما بعد التقاعد يصاب الكثيرون بحالة اكتئاب عنيفة لا يفصحون عنها، وكذلك أولئك الخاسرون في البورصة أو الخاسرون للمناصب التي اعتادوا عليها وجعلها هي حياتهم وكذلك الصامتون ومفضلو العزلة والوحدة بشكل مستمر والمزاجيون المتقلبون كل هؤلاء عرضة للإصابة بالأمراض النفسية دون أن يعلم عنهم أحد!

Halemalbaarrak@