خالد العويجان

واشنطن وتل أبيب ومخالب القطط والخناجر المسمومة

الاحد - 02 يونيو 2024

Sun - 02 Jun 2024

الأفكار في الغالب لا تموت، خصوصا تلك التي تتشكل على هيئة فرص تاريخية، لكنها كلما تأخر الاقتناع والقبول بها؛ تبخرت منها النكهة والرائحة، إلا العديد منها لا سيما ذلك الذي يرتبط بمصير الشعوب. وتلك الملفات على وجه الخصوص، بحاجة إلى تسيد المصالح العليا والعامة؛ على الحزبية أو الشخصية والنفعية الآنية وليست بعيدة المدى؛ والعنجهية.

على سبيل المثال؛ فمبادرة السلام العربية التي قدمها الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز - إبان كان وليا للعهد - في قمة بيروت العربية عام 2002؛ كانت ضمن أهم الفرص التاريخية، على أقل تقدير خلال الألفية، لاحتوائها على أفكار متوازنة من جانب، ومنقذة لطرفي نزاع طال أمده من جانب آخر.

وأقول إنها ضمن أهم الأوراق التاريخية؛ لأن كثيرا من العواصم الغربية، اعتمدت عليها، واقتبست أجزاء منها؛ كالتكريس لأفكار معينة، وأخذتها من المبادرة بمعناها العميق، لإنهاء الصراع الدائر في غزة. وهذا اسمه وصفته «صفاقة سياسية».

لماذا؟

لأنه من المنطقي أن تكون شمولية بمعناها ومضمونها الكبير، وتشكل رافعة سياسية كبرى يقوم عليها مبدأ إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ أو كما يحبذ البعض تسميته «الصراع العربي الإسرائيلي»؛ رغم أني ضد هذه التسمية.

في اعتقادي أن فهم ما ذكرت - أقصد الاجتزاء والاقتباس من المبادرة العربية -، يمكن استيعابه مما جاء على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة الماضية، حول أن مقترحا قدمته إسرائيل يقوم على ثلاث مراحل، من شأنه أن ينهي الحرب في غزة.

ما تلك المراحل؟ وقف إطلاق النار، هذا أولا.

ثانيا: عودة النازحين إلى ديارهم؛ وهذا يكلفه انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق السكنية.

ثالثا: تبادل الرهائن، حسب ما جاء على لسان سيد البيت الأبيض. وهذه في نهاية المطاف كانت ضمن بنود المبادرة، بمعنى وشكل ثابت ورصين.

السؤال؛ ما الهدف من ذلك؟ عدة أسباب؛ أولا: عدم وجود مشروع في واشنطن ولا حتى في تل أبيب على الأقل يحفظ ماء الوجه، بعد حالة الحرج التي أصيبت بها العاصمتان، في أعقاب انكشاف حالة الإيقان العالمي بتطرف إسرائيل وحكومتها الحالية.

ثانيا: بلوغ عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين ما يقارب 147 دولة.

ثالثا: حالة الهلع التي أصيب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحزب الليكود الذي يتزعم ويدير إسرائيل، نظير التلويح بأوراق المحاسبة من خلال محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل، على خلفية جرائم الحرب المرتكبة في غزة.

وحالة الهلع تلك انتقلت إلى البيت الأبيض، والذي قال سيده في معرض حديثه يوم الجمعة «بصفتي شخصا كان له التزام طويل تجاه إسرائيل، وبصفتي الرئيس الأمريكي الوحيد الذي زار إسرائيل في وقت حرب، وبصفتي شخصا أرسل القوات الأمريكية للدفاع المباشر عن إسرائيل حينما هاجمتها إيران؛ أطلب التروي والتفكير فيما سيحدث إذا ضاعت هذه اللحظة. لا يمكننا تضييع هذه اللحظة».

أتصور أن دعوة الرجل - أي بايدن - لعدم ضياع فرصة المقترح الإسرائيلي، له بعض التفسيرات التي تؤكد وجود فجوة كبرى بين الإدارة الأمريكية وتل أبيب. وهذا ما قد تسمح الفرصة لاستنباطه من قوله «أطلب التروي». ومن ناحية أخرى، ربما يشي بعدة أمور؛ كأن تل أبيب باتت عبئا وثقلا على واشنطن، المشغولة أصلا في تصفية حساباتها الداخلية.

أعود للحديث عن المبادرة العربية، وأقول، إن من يمنح ذاته الفرصة للتمعن في بنودها، سواء كان سياسيا أو مراقبا أو متابعا، سيجد أن الأفكار المطروحة هنا وهناك، نابعة منها بشكل أو بآخر، وهذا يؤكد النجاح السياسي السعودي بالدرجة الأولى، ويثبت عدم وجود مشروع أو مقترح معتدل يشبه الذي قدمته بلادي منذ ذلك التاريخ، من قبل دول لطالما تشدقت بقيادة العالم.

قد يسأل سائل، لماذا لم تنجح تلك المبادرة؟ الجواب: هي في الأصل ناجحة، بدليل لجوء عديد من الإدارات لها في أوقات معينة. وربما يقول آخر لماذا لم تتحقق حتى الساعة؟ أقول، على رغم أنها أخذت حقها المناسب من التسويق السياسي؛ والشعبي على مستوى العالم، إنما فقد قابلها وصدها طوفان العناد تارة، والجهل السياسي تارة أخرى. كيف؟ لأنها لم تؤخذ على محمل الجد من قبل الأحزاب المتعاقبة في تل أبيب، وواشنطن.

وربما هذا الأمر ينطبق على بعض الشرائح الفلسطينية.

إن الغباء السياسي العام في بعض العواصم، تجاهل أن تلك الورقة، هي المنقذ لهم ممن يسمونهم أعداء في وضح النهار، كإيران على سبيل قولهم، وحزب الله، وحركة حماس؛ لأنهم بتنفيذها والالتزام بها، يتم قطع الطريق أمام تنامي مشاريع مناهضة لهم. ويتم تقليم مخالب القطط. وتنتهي فكرة الخناجر المسمومة من الوجود. ليتهم يعلمون.. أو يعقلون.