عبدالله العولقي

أثر المتغيرات التقنية على الثقافات البشرية

السبت - 01 يونيو 2024

Sat - 01 Jun 2024

تتسارع التقنية بالتطور والنمو بصور مدهشة، وتلقي بأثرها السلبي على مفهوم الثقافة البشرية، فمثلا فرضت وسائل التواصل الاجتماعي واقعا جديدا على الثقافات البشرية يقتضي بعزلة أفراد الأسرة عن بعضهم مقابل الانهماك اليومي في تلك التطبيقات، بالإضافة إلى متغيرات العمل والتعليم عن بعد، وتأتي هذه التغيرات لتخالف الفطرة الإنسانية التي تقتضي مواجهة الناس الفيزيائية لبعضهم البعض وليس مواجهة الشاشات الالكترونية، وهنا يأتي سؤال مهم حول تعريف الثقافة؟، فالمقصود هنا بالثقافة التعبير الأنثروبولوجي أي مجموع العادات والتقاليد والقيم والسلوك ومنهجية التفكير ورؤية المجتمع لذاته وللآخر.

تؤكد الدراسات الأنثروبولوجية في أغلبها على صلابة القيم الثقافية أمام المتغيرات الأخرى، وهذا صحيح نسبيا، بل إن هناك نظرية أخرى تسمى الميمات الثقافية والتي ابتكرها عالم الاجتماع الأمريكي ريتشارد دوكين في عام 1976م، حيث يرى أن الميم كوحدة ثقافية يعادل الجين في علم الوراثة، فكما تنتقل الخصائص الحيوية والوراثية من الآباء إلى الأبناء تنتقل كذلك الميمات الثقافية أيضا، ولذا نرى الخصوصية الثقافية بين المجتمعات البشرية وتشابه الرؤى الثقافية بين أفراد أي مجتمع حول أنفسهم وتجاه الآخرين.

لكن السؤال هنا: هل تستطيع التقنية تفكيك عرى الثقافات البشرية التي ظلت متماسكة لآلاف السنين؟ وفي نفس الوقت، هل تستطيع توحيد الثقافات البشرية في ثقافة إنسانية واحدة؟، أو على الأقل إيجاد خصائص ثقافية إنسانية مشتركة بصورة أكبر بين المجتمعات البشرية، هذه الأسئلة تتردد في الآونة الأخيرة بسبب التنافسية المحتدة بين الدول الصناعية الكبرى حول تطوير برمجية الذكاء الاصطناعي، هذه البرمجية التي يخشى أنها توحد مفهوم الثقافات البشرية في المستقبل مقابل إخضاع الإنسان للآلة، يقول هنري كيسنجر في كتابه: عصر الذكاء الاصطناعي ومستقبلنا البشري، بأن الحماقة في صناعة المستقبل لن تقتصر على حمق الإنسان، بل ستشمل حماقة الذكاء الاصطناعي أيضا، وذلك عندما يطور الذكاء الاصطناعي نفسه بنفسه ويخرج عن نطاق سيطرة الإنسان.

في كتاب اليابان والعرب لمسعود ضاهر نجد تشابها كبيرا بين تاريخ الثقافتين من أوجه عديدة، واليابان اليوم تحاول تشريع قوانين تتعلق بعلاقة التقنية بالثقافة اليابانية، فاليابانيون رغم هوسهم الشديد بالتقنية الحديثة نجدهم شديدي الاعتزاز بثقافتهم المحلية، لذا يحاولون إيجاد صيغة معينة للتوافق بين التقنية والثقافة، بحيث لا تطغى متغيرات التقنية المتسارعة على قيم الثقافة المحلية، وبصورة أخرى، تجانس العالمين الفيزيائي الطبيعي مع السيبراني التقني.

خاتمة القول.. تؤكد الدراسات البحثية أن الكثير من الوظائف البشرية ستنقرض مع متغيرات التقنية المتسارعة وفي نفس الوقت ستولد آلاف الوظائف الجديدة التي تتلاءم مع المرحلة القادمة، وهذا الأمر سيفرض تحديات كثيرة، فمثلا، نجد أن التقنية قد أوجدت عزلة للأفراد داخل المجتمع كما ذكرنا في بداية المقال بينما وظائف المستقبل ستتطلب مهارات القدرة على التواصل الإنساني الفعال والقدرة على العمل الجماعي، وهذه تناقضية صعبة ستشكل تحديا في المستقبل!!

albakry1814@