دلال عبداللطيف الحسين

دور الجوائز في تحفيز الموهبة والإبداع.. 27 جائزة!

الأربعاء - 29 مايو 2024

Wed - 29 May 2024


في الآونة الأخيرة، احتفلت المملكة العربية السعودية بفوز طلابها وطالباتها بـ 27 جائزة كبرى وخاصة في المعرض الدولي للعلوم والهندسة (ISEF 2024)، الذي أقيم في لوس أنجلوس من 10 إلى 18 مايو. هذه الجوائز، التي ترعاها مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة» بالتعاون مع وزارة التعليم، تعد دليلا على القدرات الإبداعية الفائقة للشباب السعودي، متضمنة 9 جوائز خاصة و18 جائزة كبرى.

يمكن الإشارة إلى أن هذا الإنجاز الطلابي يجسد مفهوم الإبداع وفقا لنموذج 4Ps الذي طرحه Melvin Rhodes عام 1961، الذي يناقش الإبداع من خلال أربعة جوانب أساسية: الشخص، المنتج، العمليات، والبيئة. هذا النموذج يظهر كيف أن التكامل بين هذه العناصر يمكن أن يؤدي إلى إبداع ملموس، حيث:
- الشخص: يشير إلى الطلاب المشاركين، الذين برعوا بفضل خصائصهم ومهاراتهم الفردية.
- المنتج: يتمثل في الأعمال والمشاريع الفائزة التي تم عرضها والتي تجلت فيها الأصالة والابتكار والتي أكدت على معظم تعريفات الإبداع.
- العمليات: تشمل الطرق والتقنيات التي استخدمها الطلاب لتطوير مشاريعهم والتي كانت ضرورية لتحقيق النجاح.
- البيئة: تشير إلى الدعم المقدم من مؤسسة الملك عبدالعزيز ووزارة التعليم والمعرض نفسه، وكيف أن هذه البيئة المحفزة كانت حاسمة في تمكين الطلاب من الابتكار والتفوق.
هذه الجوانب مجتمعة تلقي الضوء على الكيفية التي يمكن بها للجوائز والتقديرات أن تعزز من الإبداع بفعالية، مؤكدة على الدور الأساسي لكل عنصر في نجاح العملية الإبداعية.
هذه المقالة تستهدف بالتحديد تحليل البيئة التي مهدت لهذه الإنجازات الباهرة، بهدف استكشاف تأثير الجوائز والتقديرات في تعزيز الموهبة والإبداع وأثرها في خلق بيئة تنافسية إيجابية.

تُظهر الدراسات التربوية الحديثة أهمية البيئة التعليمية الداعمة، حيث يلعب المعلم دور العمود الفقري في هذه البيئة، مما يسلط الضوء على أهمية الأساليب التدريسية المستخدمة ضمن العملية التعليمية ككل. وفقا لـ Ronald Beghetto (2019)، فإن التدريس الفعّال للإبداع يتطلب من المعلمين امتلاك خبرة واسعة في موضوعهم، بالإضافة إلى القدرة على تعزيز الإبداع لدى الطلاب ضمن المحتوى الأكاديمي المحدد، مع التأكيد على الطبيعة الإيجابية للإبداع.

هذا النهج الإبداعي في التعليم لا يسهم فقط في تعزيز الإبداع لدى الطلاب، بل يمكن أن يكون أساسا للمعلمين والمدارس التي يدرس بها الطلبة الفائزون وتقديمهم إلى منصات تنافسية حيث يمكن تكريم إنجازاتهم والإشارة إليها عبر الجوائز التي حصل عليها المتميزون من طلابهم.

تعمل هذه الجوائز كحافز قوي للطلاب، مما يعزز مفهوم التعلم الإبداعي المستمر للطلبة والمعلمين على وجه التحديد.

يُعرّف التعلم الإبداعي للمعلمين، كما اقترح (2017, p.329) Kim Keamy & Mark Selkrig، بأنه الإبداع التعلمي عملية شاملة حيث يجب تشجيع المعلمين، تماما مثل طلابهم، على أن يكونوا فضوليين وأن يستكشفوا طرقا جديدة للفهم، وأن يتعلموا كيفية تركيز على مهارات التفكير الخاصة بهم وتنمية قدراتهم الإبداعية.

ولذلك، يجب على المعلمين الاطلاع على دراسات الإبداع ودمج عناصر مثل الابتكار، الفضول المعرفي، الاستقلالية الذاتية في التعلم، والقيادة والتطبيقات في مواضيعهم الصفية من أجل تعزيز ممارساتهم المهنية، كما يؤكد Beghetto، وغيره من التربويين، هذه العناصر تعد أساسية لتحفيز دافعية الطلاب على الابتكار والتميز، والذي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتراف بجهودهم من خلال الجوائز الأكاديمية.

من خلال تشجيع كل من المعلمين والطلاب على استكشاف وتنمية قدراتهم الإبداعية، تعزز المدارس ليس فقط الابتكار والمهارات العقلية، ولكن أيضا ترسي أساسا قوياً للثقافة الإبداعية التي تمتد إلى ما وراء الفصول الدراسية إلى البيئة الاجتماعية والاقتصادية الأوسع.

من المهم جدا الاستمرار في دعم وتشجيع هذا النوع من التعليم الذي يحتفي بالإبداع؛ لأنه يعد استثمارا في المستقبل.

ليس فقط على مستوى الفرد، بل وعلى مستوى المجتمع ككل.

من خلال تعزيز هذه القيم، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تخلق جيلا قادرا على التفكير بشكل نقدي وإبداعي، مما يؤدي إلى تطوير حلول مبتكرة للتحديات المعقدة التي تواجه عالمنا اليوم.

إن استمرار البحث والتطبيق في هذا المجال سيظهر أهمية الابتكار والإبداع في تحقيق تقدم مستدام.

ويجب أن نتذكر أنه من خلال تكريم وتقدير الإنجازات، لا نقدم فقط الاعتراف، بل نعزز الدافعية والاهتمام بمواصلة الإبداع والابتكار في كل المجالات.

هذه النتائج تُظهر كيف يمكن للتقدير والجوائز أن تلعب دورا محوريا في تحفيز الابتكار وتعزيز الثقة بالنفس، مما يعد دعما لا غنى عنه في تطوير مهارات الطلبة ومعلميهم. يمكن القول «إن برامج رعاية الموهوبين في المملكة العربية السعودية قد أثمرت نتائج مبهرة وأكدت على فعاليتها في تنمية القدرات الإبداعية لدى الأفراد وما زلنا نسعى ونطمح للمزيد».

ومع ذلك، نوصي المؤسسات التربوية والمعلمين بضرورة إيلاء اهتماما خاصا لتأثير البيئة التنافسية على الأفراد المبدعين، لضمان أن تكون هذه البيئة محفزة لكل من المعلمين والطلبة وليست مصدرا للضغط والإجهاد النفسي.

يجب دراسة هذه الديناميكيات بعناية، خاصة في المراحل العمرية الحرجة، لفهم كيفية التوازن بين تحفيز الإبداع وحماية الرفاهية النفسية للمبدعين.

فبهذا التوازن، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تسهم بشكل فعال في تنمية جيل يتمتع بالقدرة على الابتكار والإبداع بصحة نفسية جيدة.

وكما قال سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان «نحن لا نحلم، نحن نفكر في واقع سوف يتحقق إن شاء الله».



dalalabdullati3@