هتون أجواد الفاسي

جنوب أفريقيا لا تفتأ تنتصر للحق ولغزة

الاثنين - 27 مايو 2024

Mon - 27 May 2024


بالتزامن مع الذكرى الـ 76 للنكبة المأساوية التي حلت بالشعب الفلسطيني - وما زالت مكتنفة بكل تفاصيل حياتهم الماضية والحاضرة والمستقبلية، ومستمرة من خلال آلات التنكيل: تهجير وطرد ومصادرة وملاحقة وتجريف وفصل عنصري وأسر وقتل وإبادة في كل أراضي فلسطين 48، الضفة الغربية، القدس وغزة وإن كانت تركزت في الشهور السبعة الأخيرة على غزة لتكمل حصارها المتواصل منذ عام 2007، وتشن حرب الإبادة والتطهير العرقي عليها منذ السابع من أكتوبر 2023 بحجة الدفاع عن النفس - تستمر شعوب العالم في مساندة القضية الفلسطينية والدفاع عنها.

فلا تتوقف جمهورية جنوب أفريقيا عن إبهارنا بقوة إيمانها بعدالة القضية التي تدافع عنها وهي التيقن من أن ما يجري على أرض فلسطين وعلى غزة بالتحديد هي حرب إبادة تدخل إدانتها تحت الاختصاص القضائي لمحكمة العدل الدولية بموجب تطبيق اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية.

فبعد أن رفعت قضيتها الأساسية ضد الكيان الصهيوني لصالح غزة، في 29 ديسمبر 2023 وترافعت أمام محكمة العدل الدولية في يناير 2024، جاء رد المحكمة باحتمالية أن يكون ما يجري حرب إبادة وأن دولة الكيان الصهيوني بحاجة لأن تحرص على ألا تقع في حرب الإبادة. فأصدرت محكمة العدل الدولية أمرا في 26 يناير 2024 باتخاذ تدابير مؤقتة، معلنة أن للفلسطينيين الحق في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية، ودعت إسرائيل إلى «اتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها» لمنع مثل هذه الأعمال والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة والتي هي في أمس الحاجة إليها.

لكن جنوب إفريقيا أعادت الكرة لمتابعة المحكمة للمرة الرابعة في 10 مايو، ومثلت أمام المحكمة في 16-17 مايو 2024، مطالبة إياها بتعديل التدابير المؤقتة التي سبق أن حددتها، وإعادة النظر في جرائم الصهيوني وإعادة صياغة قرارها الابتدائي موضحين أن القرار السابق لم يكن واضحا بما فيه الكفاية أو أن الكيان اختار ألا يفهمه حتى لا يلتزم به وكذلك الدول المساندة له بالمال والسلاح وأن المحكمة تحتاج لتوضيح قرارها بلغة تفيد بشكل مباشر بإيقاف حرب الإبادة وأعمال الحرب نهائيا.

واستعرض فريق جنوب أفريقيا القانوني الاستثنائي الذي افتتحه سعادة سفير جنوب أفريقيا في هولندا السيد بوسيموزي مادونسيلا Busimuzi Madonsela، والمشكل من: البروفسور فوغان لوي Vaughan Lowe، جامعة أوكسفورد، مستشار الملك KC والمحكم الدولي (بريطانيا)، والبروفسور الحقوقي جون دوغارد Dugard,John (جنوب أفريقيا)، ومحامي جنوب إفريقيا السيد ماكس دو بليسيس Max Du Plessis، والمحامية الدكتورة عادلة هسيم Adila Hassim, (جنوب أفريقيا)، والسيد تيمبيكا نغكوكايتوبي Ngcukaitobi Tembeka، كبير المستشارين القانونيين ،SC (جنوب أفريقيا)، والسيدة بلين ني غرالي Blinne Ní Ghrálaigh، مستشارة الملك KC (أيرلندا). مع تعيين السيد ديكغانغ موسينيكي Dikgang Moseneke، القانوني من محاميي النخبة silk، (جنوب أفريقيا) كقاض مختص، الذين أعادوا التأكيد على أن الكيان الصهيوني يمارس فصلا عنصريا واحتلالا استعماريا وحرب إبادة مستمرة منذ 76 عاما.

وفي مداخلتها تتعجب جنوب أفريقيا من الدرجة التي وصلت إليها دولة «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم» من مستويات القتل والتدمير وتزوير التاريخ ولي عنق الحقائق وانتهاك قوانين الإنسانية، بل وتحويل قرارات وتدابير المحكمة الموجهة لحماية أرواح الفلسطينيين من الإبادة إلى مجال للتندر والاستهزاء بها.

وتتصف مداخلات الفريق الجنوب أفريقي بالعمق في التحليل والمباشرة في التوصيف والوصول إلى الحقائق والأدلة دون هدر لأي كلمة أو حرف.

يمكن أن يطلق عليها خطب عصماء بمفهوم الخطب البلاغية التي تنأى عن الحشو ولا توفر أي حجة للتعبير عن فداحة ما يجري أمام أعين العالم وما تقوم به دولة الكيان من انتهاكات غير مسبوقة مستغلة حالة من الحصانة والأمن من العقاب تتمتع بها منذ تأسست في 1948م.

وقد قسموا ساعتي المرافعة بين أعضائهم بنفس الطريقة المنظمة التي استخدموها في المرافعة السابقة وأوضحوا هنا لماذا اضطروا للعودة مرة أخرى إلى المحكمة لاسيما وأن إبادة أخرى تمارس على الهواء وأثناء انعقاد هذه المحكمة في رفح، بل لم تتوقف منذ انعقاد الجلسة الأولى في يناير.

مطالبين المحكمة بتدابير مؤقتة إضافية لضمان إيقاف الحرب ونزيف النزوح والمجاعة والحالة الصحية المنهارة.

في الواقع فإن الفريق كان يتوسل إلى المحكمة أن تصدر أمرا بإيقاف الحرب وقد استعرضوا أمامها تفصيل انتهاكات الكيان الصهيوني والأدلة الجديدة والتغير في الظروف وفق مواد اتفاقية الإبادة في كل فقراتها مذكّرين المحكمة بقدرتها وبسلطتها لوقف عمليات إسرائيل العسكرية.

فقدموا دعوى إلحاقية تفصيلية بالأدلة والحجج المفحمة منذ أن أصدرت المحكمة قرارها الابتدائي الذي يحذر الكيان من الوقوع في حرب إبادة وأن يفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية، لكن سلطة الكيان فهمت بأن الأمر الابتدائي غير ملزم لها، بل لم يتردد من التبجح بانتهاكاته كما سابقا، على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى قنوات الأخبار وقد اطمأن أن العالم ما زال تحت السيطرة وأن ما يدير العالم هو الإعلام الذي طالما كان تحت جناحه فبالتالي لا مشكلة، ويمكنهم الاستمرار في الإبادة والقتل وإعادة القتل وقتل القتلى والشهداء ولن يغطي الإعلام الرسمي الغربي إلا ما يريدون له أن يتغطى وحتى إن تسربت قصة من هنا أو هناك فسرعان ما سيتم تغميتها بكل وسيلة، مستغلين فرصة السباق الانتخابي الأمريكي الذي يخوضه جو بايدن والذي يحاول خلاله التقرب أكثر إلى أنصار الكيان الصهيوني ومنظمة الأيباك AIPAC لضمان الدعم المادي المطلوب لمسيرة الانتخابات التي تخوض حربا شرسة ضد الغريم السابق، دونالد ترمب.

وقد أصبحت الساحة السياسية الأمريكية ساحة دبابير وفوضى إنسانية وادعاءات ديمقراطية وانكشاف لطيات لا حصر لها من الفساد الانتخابي وما زالوا، وبكل صفاقة، يشحنون أسلحة الدمار إلى جيش العدو.

فشكرا لجنوب إفريقيا التي تعبر عما يجيش في النفوس.. على شجاعتهم وصلابتهم.. على إتقانهم عملهم وأدائه على أحسن وجه.. على الإصرار وعدم الاستسلام.. على دروسهم العملية للعالم في كيف نقف مع الحق وكيف نسترجع إنسانيتنا.