خالد العويجان

السياسي النجدي وصفقة الرياض وواشنطن

الاثنين - 27 مايو 2024

Mon - 27 May 2024


أغلب العناوين مخادعة، والبعض القليل منها؛ يجب بالضرورة أن يكون ملغوما بالفكرة التي تقوم على شيء من التشويق، وهذا في لغة الإعلام ليس محرما ولا ممنوعا.

والحياة بمجملها عناوين، أكثرها ساخن.

والبسيط منها بلا معنى، ولا طعم ولا رائحة.

ملفات السياسة كذلك؛ تشتعل، وتنطفئ متى ما أمر حامل أعواد الكبريت حسب مزاجه ومصالحه. وضابط الإيقاع جانبا، لاصطياد الضحايا.

البعض منا ذكي للغاية ويصعب اقتياده وبالتالي إقناعه بما يدور في الأذهان.

والبعض الآخر لا يملك أدوات الخروج من شراك العناكب، وأعشاش الدبابير؛ التي تتخذ من التسطيح المطلق ركيزة لتمرير مفاهيم الكثير من المخادعين؛ وينقاد وراء القطيع مقتنعا بالخطأ وكأنه صواب.

البارحة الأولى جمعني اتصال هاتفي مع رئيس تحرير هذه الصحيفة الأخ الأكبر موفق النويصر، ناقشته في عدة أمور؛ وهذا باب مفتوح بيني وبينه منذ العام 2013، وقبل ذلك.

وقتذاك كانت الملفات في المملكة على الصعيد الداخلي نارية.

وكان حين عمله مسؤولا في صحيفة الشرق الأوسط، يمنح الجميع أفكاره المحفوفة في الوطنية.

ولا أريد الإسهاب في الحديث عن شخص الرجل حتى لا يفهم الأمر وكأنه «مسح جوخ».

والأهم لا أرغب بالعودة لتلك الحقبة باعتبارها فتحت نوافذ سوداء اللون، وأدخلت علينا الإرهاب بشحمه ولحمه. في المكالمة؛ قلت له «أبا يزن أريد الكتابة عن الصفقة السعودية الأمريكية المرتقبة».

قال «خالد لم ولن نتخلى عن القضية الفلسطينية».

فهمت رسالة الرجال؛ كما أفهم سياسة بلادي.

واستوعبت ما لم يستوعبه كثير من المنظرين الناشطين في العالم العربي.

كيف؟ الجميع يعرف أن ثمة تفاهمات سعودية – أمريكية؛ مرتقب الكشف عنها رسميا؛ تتضمن وضع النقاط على الحروف في عديد من الملفات.

مثل ماذا؟ تنشيط التحالف بين الرياض وواشنطن. وذلك بالمناسبة مشروط وليس بلا مقابل.

ما الثمن السعودي الموضوع على الطاولة؟ أن تضع حرب غزة أوزارها، وأن تعود قوات بنيامين نتنياهو إلى ثكناتها.

وأقول قوات نتنياهو لأن الأمر تجاوز المصالح العليا السياسية وبلغ مبلغ التحدي وتحقيق المكاسب بين الأحزاب السياسية الإسرائيلية.

وما الشرط السعودي الأكثر جدوى؟ تنفيذ المبادرة العربية التي أطلقها الراحل الملك عبدالله في بيروت عام 2002؛ والالتزام ببنودها؛ وأولها إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وعودة اللاجئين؛ بل إنها – أي المبادرة – لم تتغافل الجولان السوري والعودة حتى خط الرابع من يونيو 1967؛ وذلك من منطلق الإيمان السعودي، أنها بقعة عربية؛ لذا وضع هذا الشرط في بنود المبادرة.

السؤال المهم؛ ما الذي جعل واشنطن تميل إلى حد كبير للأفكار السعودية المبنية على ذلك الأساس؟ ذلك لعدة أسباب:
أولا: المنهجية السعودية الجديدة التي تخلصت من أغلال الماضي القائمة على الاعتماد على حليف واحد.
وأعني فتح باب التقارب مع الصين وروسيا وغيرها من الدول المؤثرة عالميا.
وهذا أقلق البيت الأبيض.
ثانيا: الجدية السياسية السعودية التي لم يؤخذ عليها يوما ما؛ أنها متقلبة أو تقوم على اتباع مصالحها، بقدر ما هي تحرص على أخلاقياتها في أوساط الرأي العام العربي والعالمي.
بمعنى الثبات السعودي على رأي واحد والاستمرار في حمل رايته.
وهذا بكل الأحوال يعني فروسية ربما يجهلها الكثير.
ثالثا: قد تدخل الرغبة الأمريكية في فتح هذا الملف مع المملكة؛ بحسابات انتخابية «وذلك لا يعني لنا»؛ لكن السبب الذي أنتج التفكير الأمريكي الجديد مع الرياض، يقوم على ارتباكها من تعدد تفاهماتها مع السعودية؛ لأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تملك ما تملك من الخصومات والنزاعات فيما بينها البين، بينما تقف الرياض على مسافة واحدة مع الجميع.
فبايدن سيد البيت الأبيض يكره ترمب الذي يعتبر خصما سياسيا مرهقا، بحزبه وأتباعه؛ والثاني يبغض الأول؛ وله أسبابه الخاصة؛ لذلك لا تروق لي فكرة الديمقراطية، لأنها تفتح الأبواب أمام كثير من الحمقى.

ما يرهقني؛ فهم بعض شرائح النخب في العالم العربي، التي تعمد على الدوام أن المملكة باعت القضية الفلسطينية، مقابل إرضاء واشنطن؛ التي استخدمت فزاعة «طهران»، بينما تقاربت الرياض معها بذكاء؛ ووصل الأمر للتهدئة مع السياسة الإيرانية؛ من حيث لا يعلم لا البيت الأبيض ولا سيده.

وهذا في نظري غباء سياسي كبير؛ يذكرني بما يسمى بـ»صفقة القرن» التي تم الزج بالرياض في تفاصيلها؛ رغم أنها بالمنطق لم ولن تقبل بها.

والاستدلال على ذلك؛ يكمن بتفسير وترويج الكثير من البسطاء «لا أريد قول الأغبياء وهم كذلك»؛ أن الاتفاقية السعودية الأمريكية المرتقبة، عبارة عن مشروع حماية.! وهي في الحقيقة اتفاقية دفاع استراتيجية مشتركة بين الرياض وواشنطن؛ وهناك فرق بين مشروع الدفاع المشترك والحماية.

لكن مروجي الأخبار والعاملين عليها عمدوا على أن يقتاتون على مثل تلك الأفكار، بهدف تقزيم مواقف المملكة بشكل أو بآخر.

إن التقارب المرغوب والمطلوب من دولة كالولايات المتحدة الأمريكية تجاه المملكة، أكبر من مفهوم كثير من الأغبياء؛ والسذج، ومن التافهين البسطاء، لسبب واحد فقط، لأنهم عبارة عن مطبلين لعناوين الشرق.. ولم يفهموا بعد كيف يفكر السياسي النجدي.

وفي الحقيقة، لأنهم أصغر وأقل من ذلك.

قاتلهم الله.