ثقافة «الترند»!
الأحد - 26 مايو 2024
Sun - 26 May 2024
تقول الرواية «بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم إذ قام أعرابي فحسر عن ثوبه ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان منهم إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد أن يموت، فخلصه حراس الحرم وجاؤوا به إلى أمير مكة فقال له: قبحك الله.. لم فعلت هذا؟ فقال: حتى يعرفني الناس»!
هذه القصة أظن أنها أول محاولة «ترند» في ثقافتنا، و»الترند» هو أن تكون مشهورا حتى لو «بالعلوم الردية»، وفي الغالب ستعرفك الناس بفعلك وتظل نكرة مجولا مثل صاحبنا الذي «بال» في بئر زمزم، والمشكلة الآن ليس في أحفاد ذلك الرجل الذي مازالوا يقتدون به، بل المشكلة إن هناك من يدافع عنهم تارة تحت مقولة «ياخي أنت لست مسؤولا عن تصرفات الآخرين» وتارة تحت غطاء «هذا رأيه وهو حر فيه.. ويجب احترام رأي الآخرين»، والأخيرة لي فيها وجهة نظر، أو على الأقل بنصف المقولة، إذ أرى -وفقني المولى وسدد خطاي- أن كل شخص حر في رأيه؛ لكن ليس بالضرورة أن أحترم رأيه إن كان «مروح»! فلا يمكن أن تتظاهر باحترام رأي خال من الموضوعية والمنطق، وعليك أن تحترم صاحب الرأي من باب إنك شخصك متصالح ومنفتح و(كذا)، وأضعف الإيمان أن تشتمه في سرك.
المشكلة برأيي -غير المتواضع - ليس بقاء سلالة الأعرابي التي تحمل نفس الجينات، بل المشكلة في انقراض الناس الذين انهالوا عليه بالضرب، ولو أنني ضد العنف خاصة ضد الحمقى، ولكن أقصد الضرب المجازي! كأنني بما سبق قد رفعت حدة الحوار دون أن أشعر، ولأن قدر المقال أنه لا يمكن أن تضع بمنتصفه إعلان لمشروب بارد يخفف وطأة التورية؛ فأنني سأتخيل الرأي التالي، إذ يرى أحدهم أن اللاعب سامي النجعي أفضل من زين الدين زيدان؛ فزيدان صنعته لوبيات الرأسمالية والمراهنات، وتم فرضه على الإعلام من قبل منظمات معادية للعرب والمسلمين لإيصال رسالة أن العرب والمسلمين لا يمكن أن يبدعوا في أوطانهم، فيما أن ما يفعله في الملعب لا يتعدى «الخنبقة»، الآن -عزيزي القارئ- تخيل أنه مطلوب منك أن تحترم هذا الرأي، ليس الرأي وحده بل وصاحبه أيضا! أما سوء المنقلب فأن يكون هذا الموضوع مطروحا للنقاش، وهذه نصف المشكلة.
النصف الآخر من المشكلة في المؤسسات الإعلامية - التي من المفترض أنها رزينة - التي ستستضيف - جدلا - الرجل الذي بال في البئر، وتحاوره من مبدأ فلسفي عميق عن فعلته، بالطبع سيقول جملة «لا تصنعوا من الحمقى مشاهير»، ويحمد الله أن قيض له من يحترم صنيعه لاكتشاف «الترند» في الزمن السحيق، وكيف ان الجهلاء في الماضي انهالوا عليه ضربا، وللحديث بقيّة.