محمد سعد السريحي

مفاهيم نحتاج تصحيحها: الزواج سفرة سياحية، وسهرة رومانسية

الأربعاء - 22 مايو 2024

Wed - 22 May 2024

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وشيوع قنواتها، وبرامجها، نجد كثيرا من الشباب والشابات بعد الزفاف، وفيما يسمى بشهر العسل، ينشرون يومياتهم، ويعرضون أنشطتهم التي يقومون بها.

وإذا سافر العروسان، نجد حساباتهم تزخر بالصور، وتزدان بالرسوم والأشكال (الرومانسية)، ويتفنون في صوغ العبارات البديعة، متتبعين كل مكان يزورونه بالتصوير، والوصف، والتعليق: فهذا مطار المدينة الفلانية، وهذا المقهى الذي يرتشفان فيه ألذ كوب قهوة، وهذه أروع قمة جبل، وهذه أحلى جلسة، واستراحة من عناء الحياة قرب الماء العذب، الذي ينساب في النهر الجميل، وتتخلله النسمات العليلة، في وسط الأزهار والورود، وخضرة الزروع، وهذا سوق البلدة الشعبي، وهذا بعض متاعهم.

ومما يحرص عليه الشباب والشابات، في وسائل التواصل الاجتماعي متابعة حسابات العروسين، خاصة من أقاربهم، وأصدقائهم، فتزداد المشاهدات، مما يغري العروسين على زيادة المحتوى، والتسجيل، ويغري من يتابعونهم بمزيد من المتابعة، وكأنهم بصدد مسلسل تلفزوني، ينتظرون كل يوم جديد حلقاته، فالزيادة بين الطرفين طردية، هذا يزيد في العرض والتسجيل، وهذا يشاهد أولا بأول، ويروي أحداث ما شاهد للأصدقاء والأقارب لتزداد المتابعات والمشاهدات.

فيخيل إلى العزاب – خاصة من الفتيات – أن هذه هي الحياة الزوجية: سفرة سياحية ممتعة، وتناول أشهى المأكولات في أفخم المطاعم، وارتشاف القهوة في أجمل مقهى، والسكن في فندق فخم؛ يتناوب فيه العمال والموظفون لخدمتك؛ والعمل على راحتك...، وزيارة منتجعات سياحية رائعة، وجو جميل، ومناظر خلابة.

مهلا، فليس كل الأزواج بقادر على أن يوفر كل هذه التفاصيل، بل ربما يضغط بعض الأزواج على نفسه ليتكلف ما لا يطيق، لتوفيرها، مما سيجلب له المعاناة والتعب في القريب العاجل.

ثم مهلا، فليس هذا المعنى الحقيقي للزواج، فالزواج هو مسؤولية، وشراكة بين طرفين، يخوضان معا معترك الحياة، إن الزواج مؤسسة اجتماعية، تعد اللبنة الأساسية لإنتاج جيل واعد، وإعداده لينهض بالمجتمع مستقبلا، إنه استمرار لحياة الأوطان، والأمم.

ومن أجل إعمار هذا البيت، واستمراره، فإن على الزوجين أن يعلما: أنهما سيخوضان غمار الحياة، وسيقاسيان الظروف، ويعيشان المعاناة، وسيواجهان تحديات كثيرة.

لذلك عليهما أن يتحليا بالصبر، وغض الطرف، وتحمل كل طرف لشريكه، والتفاهم معه، للوصول إلى منطقة وسطى مقبولة للطرفين.

وأن يدعم كل شريك شريكه، فمعظم قصص النجاح، في الحياة العملية، والاجتماعية، نجد خلفها شريك داعم.

لا أريد هنا أن أشوه صورة الزواج في نظر العزاب، لكن يجب على الشاب والشابة ألا يرسما له صورة وردية، لا صعوبة فيها، ولا مشقة، حتى إذا صادفا أول تحد أمامهما لا يتحملان، ولا يسعيان لتجاوزه، فينهار مشروعهما.

قبل النقطة: قال الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) سورة الروم 21.

إن بيت الزوجية لا يعمر بالمودة لوحدها، بل يحتاج إلى الرحمة.

Mabosaad@