خالد العويجان

حكمة البدوي في الرياض والعلاقة مع بغداد

الاحد - 19 مايو 2024

Sun - 19 May 2024

الإرهاب، حتى أعوام قليلة ماضية تجذر في العالم العربي والمنطقة وتنامى، ووجد الأرضية الخصبة، وعثر على الطائفية التي شكلت رافعة له، وأسهم التشرذم بين سني وشيعي في خدمة ذلك الغول المتوحش.

أمضى سنوات في دول المنطقة، وأخذ حقه من القتل وسفك الدماء والتهجير.

بعيدا عن المسببات؛ كان العراق الحديقة التي استراح فيها الإرهاب القادم من بقاع الأرض.

ومن ثم تحول الأمر بالتقاسم مع سوريا. حتى إن خفت بريقة هنا أو هناك، إلا أن نتائجه باقية.

تعزيز الفرقة باق على أساس المذهب، والطائفية باقيه، وشذاذ الآفاق باقون. والمرتزقة كذلك.

والدم الذي سفك مقابل حفنة من الدولارات أو لقناعة بفكر معين، لا يطفئه إلا الدم.

هكذا يقول العرب، وصوت العقل أيضا.

تلك الصورة العامة خلقت حالة عجز واجهها رؤساء الوزراء والبرلمان المتعاقبون على إدارة العراق.

قليل منهم جاء من أروقة السياسة، والبعض من أقبية المخابرات، والعديد من الحوزات والمرجعيات.

جميعهم واجهوا جدار الطائفية وانتشار السلاح والأرضية الخصبة التي استفادت منها الجماعات المسلحة سواء كانت سنية أو شيعية.

عاش العراق على صفيح ساخن منذ إسقاط نظام صدام حسين.

وهذا لا يعني أن ذلك النظام وحزب البعث كانا المنقذ، لا بل كانا أهم أسباب توريط الدولة في ملفات كانت عواقبها وخيمة.

مثل ماذا؟ غزو دولة الكويت. لماذا؟ لأن ذلك قبل النظر إليه على أنه اعتداء غاشم على دولة بعينها، في عمقه، يعتبر نسفا للارتباط الاستراتيجي العراقي مع عمقه العربي، لا سيما دول الخليج وعلى رأسها المملكة.

ومنذ تلك الحقبة تبدل حال بغداد إلى صندوق بريد لإيصال رسائل العالم المتنازع.

فالولايات المتحدة الأمريكية أخذت حصتها من النفوذ، وكذلك إيران وروسيا وحتى الصين.

دول الخليج الوحيدة على رغم الارتباط الجغرافي والإنساني والقبلي، نأت بنفسها عن الدخول في ملف المراهنات.

لماذا؟ سأجيب هنا بحكم مراقبتي للسياسة السعودية.

الجواب: لإدراكها أن تلك المراهنات خاسرة، وأنه حتى إن طال الأمد، لا بد أن يعود العراق لعمقه التاريخي، بعد استيعاب الساسة ورجال الدين بأن المصلحة الوطنية التي من المفترض أن تكون هي العليا، لا يمكن عزلها عن المحيط الخليجي، والسعودي على وجه الخصوص.

وهذا بالفعل ما حدث؛ ما الدليل؟ الانفتاح الذي عاشه العراق مع السعودية، التي تعاملت مع الجميع بمسافة واحدة.

إذ إن المراقب كان في فترة ماضية يضع ضمن قوائم المستحيل أن يرى مسؤولا سعوديا في كربلاء، التي تعتبر حاضنة للمراقد الشيعية المقدسة.

سأعود لهذا الجانب، إنما يجب التأكيد أن هناك إشارات واضحة كانت تدل بدون شك على صواب الصبر الاستراتيجي السعودي.

فالمملكة لديها عاملان مهمان في سياستها الخارجية.

الأول: لا تعمل على التمييز الطائفي ولا المذهبي في معاملاتها مع المحيط والعالم بأسره.

الثاني وهذا في غاية الأهمية: لا تضع البحث عن نفوذ هدفا لها في بناء أي علاقة ما مع أي دولة ما.

بينما يبحث العالم الآخر عن موضع قدم، كواشنطن في العراق على سبيل الاستدلال، وموسكو التي رمت بكل ثقلها للبحث عن متنفس يطل على أهم مياه العالم، كما حدث في سوريا، من خلال استماتتها للتحكم بميناء طرطوس البحري السوري.

أعود لقضيتي هذا اليوم، وأجد أن زيارة السفير السعودي في العراق عبدالعزيز الشمري؛ لكربلاء والتي استبقت تدشين خط رحلة مباشرة من الدمام إلى النجف؛ تتضمن رسائل عديدة للمحيط الخارجي، والإقليمي والداخلي.

فالرسالة للخارج مفادها لن نترك العراق مهما كان حجم الاختلاف عند نقاط أو ملفات معينة.

والأخرى الموجهة للإقليم؛ أن عليكم الابتعاد عن دولة لا تملك معكم أي ارتباط أكثر من الطائفية التي عادت بالشر عليها.

أما الرسالة الموجهة للداخل العراقي، فيجب أن يتوازى صوت العقل مع الثقل التاريخي العراقي، والتفكير بالمصلحة الوطنية على حساب الأوراق المحروقة.

صحيح سبق تلك زيارة السفير، بلوغ عديد من المسؤولين السعوديين للأراضي العراقية، إلا أن هذه الزيارة لها دلالاتها الخاصة، والعميقة، التي تسعى لتبديد كل أشكال ومعاني الفرقة الطائفية.

أذكر أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني؛ قال في حديث له مع رئيس تحرير «الشرق الأوسط» الزميل غسان شربل في فبراير العام الماضي «بلدينا قادرتان على خلق محور يكون نقطة ارتكاز في المنطقة والعالم. نحن جادون في ذلك. أنا كان لدي حديث مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ووجدته متجاوبا كالعادة ومتقدما لتحقيق هذا الهدف بكل وضوح ورغبة جادة».

وذلك يعني أن العراق كدولة عاشت عقودا من الزمان على ويلات الصراع والاقتتال، يجب أن يحين الوقت لأن يقرر عقلاء ساستها بفك ارتباطها مع كل من لا يحقق مصلحتها، وطموحات شعبها، الذي يتوق إلى توقف أخبار القتل والنزاعات والفرقة عن مسامعة.

إن النظر لبلادي، وتشكيل عامل مساند لها؛ لمشاركتها في تحقيق فكرة دول الاعتدال الكبرى في المنطقة، يعيد الثقل لبلاد الرافدين، وينقلها من حال إلى حال.

ومن ثم للنجاة؛ يجب التفكير بالتحديث الذي تعيشه، واللحاق بركب قطار يقوده ملهم، يسنده شعب وفي؛ يعتمد على حكمة البدوي الذي لا يقهر.

وكلنا بدو، نحن وقائدنا.