كتّاب وكتابة

من الصعب عليك ككاتب أن تلتزم أسبوعيا بكتابة فكرة يقرؤها الجمهور - هذا إذا كان لك جمهور -، والأصعب دائما أن تكون في وضع محفز يدفعك للكتابة، وخاصة في هذا العالم المجنون الذي يمسي إنسانه على أحداث خطيرة ويصبح على أحداث أخطر، ليصبح الكاتب هنا مثل خراش في قوله أو قول شاعره (تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد)!

الكتابة المجتمعية ما عادت تستدرج الناس لقراءتها، والجمهور أصبح يتعطش للإثارة، والأخيرة تكمن في عنوان يستدرج فضولهم للضغط على الرابط ومن ثم قراءة المقال أو بعضه في أحسن الأحوال، والشأن الاجتماعي بكل تفاصيله وخباياه أصبح أسيرا لمشاهير العالم الجديد، الذين تفننوا في الحديث عن هذا الشأن واستطاعوا احتكاره وربما احتقاره بطرحهم الهلامي الذي ينتشر انتشار التفاهة المعتقة في وسائل تواصل إعلامهم الجديد!

أما الكتابة في الشأن السياسي حول العالم، فهي أسهل أنواع الكتابات وأيسرها، فما عليك إلا أن تتابع الاخبار ثم تعيد تدويرها في مقالك، ومن ثم تصبح عند الناس كاتبا سياسيا برتبة لا يقرأ لك أحد وبعبارة أخرى (ما أحد درى عنك)، حتى وأنت ترصع كتاباتك بالمصطلحات السياسية وتنتقي أغربها، وتعود لفضائح وسياقات؛ ووترجيت وإيران كونترا وحرب الفوكلاند ومعارك دير البلح، كل ذلك لن يصنع منك كاتبا سياسيا؛ بل مجرد حكواتي؛ يجيد سفسطة الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

أما الكتابة في الشأن الإداري فهي أخطر أنواع الكتابات على كاتبها، فما أن يكتب فكرة في مجال الإدارة ومفاهيمها، حتى يتناقلها بعض سفهاء المكان من أعلام نقل الكلام الذين يتكاثرون بعد نشر الأفكار؛ تكاثر البعوض في المستنقعات الآسنة والتي لا تؤنسن شكلا إلا بأمثال هؤلاء، وهنا يصبح الكاتب أمام أمرين؛ إما الإقصاء أو الانضمام والانضواء لمسحة جوخ المدير الهمام. تخيلوا هذا الكاتب المسكين تدور عليه الدوائر فيصير من حواري هذا المدير ثم يرتقي شيئا فشيئا حتى يصبح مسؤول شيشته وبراده (أبو أربعة)، ومع ذلك سيحاربه السفهاء القدامى فقد ارتقى مرتقى صعبا كيف لا وقد أصبح من خواص المدير أبو أربعة.

اما الكتابة في الرياضة فهي باب من أبواب الشهرة والتشهير، وخاصة عندما يتحلل الكاتب من قيم القلم ونزاهته، فيصبح كالمدفع الهادر تحت قلاع وحصون ناديه المفضل، يزود بالذخيرة من مكان ويطلقها من مكان آخر، ليصبح النجم الأول في عرف جماهير هذا النادي العتيد، هذا النوع من الكتاب ضحل الثقافة قليل الأدب ينحو في كتاباته إلى التسطيح والتشهير والتغرير، ومع ذلك يوصف بالكاتب الرياضي الأصيل!

أما الكتابة في الثقافة وشؤونها وشجونها، فكاتبها مثله مثل من يرقص وراء صف الراقصين الرئيس، مهما أبدع أو أتقن لا يعرف له وقع ولا لحضوره أي تأثير سوى في محيطه البسيط عندما يقوم بإرسال مقالاته إلى الخلص من أصدقاء حرفه عبر رسائل الواتس اب، هذا النوع من الكتاب يظل في نظر المجتمع كأسير المحبسين؛ ثقالة دمه وثقافته التي تجعله كائنا غريبا على كل شيء، حتى على نفسه الأمارة بالسوء تجاه نفسه وتجاه المخالفين والمختلفين.

بقي صنف أخير من الكتاب الذي غاب وغيب معه صنف من الكتابة التي سادت ثم بادت، وهو ذلك الكاتب المعتزل، الذي كان يرى في طرحه طرحا نخبويا لا يشق له غبار، وكان يعتبر قلمه سهما حارقا أعتى في أثره من أثر السهم الملتهب في عز حضوره الكروي المجيد!، هذا الكاتب توقفت مكافأته واعترض في البداية وأرعد وأزبد، ومع ذلك سرحته صحيفته الطلح؛ فأعلن اعتزاله واعتداله، بعد أن كان يرى فيه زملاء كاره أنه كاتب بلا سقف بسبب مكافآته المجدية وحضوره الطاغي في عالم الكتابة.

اليوم في أحسن أحواله يظل مجرد مغرد صغير على منصة X، التي لا تساعده على تصحيح زلاته الإملائية وأخطائه اللغوية الكارثية كما كان يفعل المصحح اللغوي سابقا.

تلك أنواع الكتابات بعضها ما زال موجودا على استحياء، والبعض الآخر صادرته الصورة وتصوراتها، أما كتابها فهم المأكولون المذمومون؛ إن حضروا لم ينجحوا وإن غابوا فلن يفتقدهم أحد.

alaseery2@