زيد الفضيل

الديمقراطية الغربية نموذج فاسد

السبت - 18 مايو 2024

Sat - 18 May 2024

مع مطلع القرن العشرين الميلادي، ومع تأسيس الدولة الوطنية الحديثة، وتنامي حالة التعليم بين أفراد المجتمع، وتسيد حالة الاستلاب المعرفي صوب كل ما هو قادم من المجتمع الغربي، باعتبارهم أكثر المجتمعات تقدما، وأكثر الدول ازدهارا، صار الإيمان بالنموذج الغربي هو السائد ذهنا حال تداول النقاش البيني بين أي اثنين من أفراد المجتمع، بل وصار النموذج السياسي الفرنسي والأمريكي هو النموذج الأمثل لتلمس خطاه ضمن سياقنا العربي، وأصبح الكل يلهج بذكر الديمقراطية في كل وقت وحين، وانحصر مفهومها في إطار واحد وهو حكم الشعب بالشعب، وبه برر العسكريون انقلاباتهم الدموية على أنظمة ملكية مستقرة، كانت تحكم شعوبها بكل أمان وهدوء، بل وبكل تطور ونماء، وليس أدل على ذلك من حال مصر في العهد الملكي الذي كان يضرب بها المثل في تقدمها وازدهارها وقوة اقتصادها، وحالها بعد ذلك في عهدها الجمهوري؛ وحال ليبيا في عهد ملكها السنوسي ببرلمانها وتطورها المتنامي، ثم حالها المزري بعد ذلك على عهد رئيسها معمر القذافي الذي أحالها إلى بلد فقير بالرغم من غناها الواسع؛ والحال كذلك مع العراق على عهدها الملكي المتقدم، ثم ما جرى لها من بؤس وجحيم على عهد رؤسائها المستبدين؛ وليس اليمن ببعيد عن تلك الممالك في ثبات استقرارها وإن كانت أقل تطورا من سابقتها لأسباب عديدة ليس المجال لشرحها حاليا.

اللافت في الأمر أن جمهرة من مثقفينا المتلبسين بلباس الغرب لا ينظرون بعين التأمل لموقف الجنرال فرانكو مثلا، الذي أنجز انقلابه العسكري وحكم إسبانيا وفق نظام جمهوري، لكنه كان منصفا مع نفسه حين أدرك أن مجتمعه لا ينضبط إلا بالحكم الملكي، فأعاد الملكية بنفسه، وخرج من الحكم آمنا مطمئنا على سلامة وازدهار شعبه.

واللافت أيضا أن كثيرا منهم لا يدرك أهمية مواءمة السمات الذهنية مع أي نظام سياسي يتبع له، فالنظام الديموقراطي في بريطانيا وهو ضمن ما يعرف بالملكية الدستورية، قد بني على قواعد وأعراف مثلت الدستور، وصار من المعيب وغير الممكن تجاوزها عبر أحد من أبناء الشعب، سواء كان نائبا منتخبا أو غيره، ولذلك يعيش المجتمع البريطاني حالة من الاستقرار، وينحصر النقاش المحموم بين السياسيين في جانب كيفية تحقيق المصلحة العامة بشكل أكبر من وجهة نظر كل حزب.

والسؤال: هل تتوافق السمات الذهنية لمجتمعنا العربي اليوم مع السياق الديموقراطي بمفهومه الغربي إجمالا؟

في تصوري فإن ذلك يحتاج إلى وقت أطول بحيث تتعمق المعرفة ويتغير سمت السلوك الوظيفي، فننتقل من سمات المجتمع العشائري القائم على العلاقات القرابية، إلى سمات المجتمع المديني المرتكز على الكفاءة الوظيفية.

في جانب آخر، فليس بالضرورة أن يكون السياق الغربي هو الصحيح والناجح في كل الأحول، لكونه يستلزم بلوغ المجتمع لأعلى درجات الوعي حتى يتمكن من انتخاب الأصلح والأنفع، وهو ما لا يمكن تحقيقيه، ولذلك عادة ما نشهد أمرين في الثقافة الانتخابية الغربية، أولهما: عزوف كثرة من أبناء الشعب عن ممارسة حقهم في الانتخاب لقناعتهم بعدم جدوى ذلك، وهو مؤشر يعكس جوهر الانتخابات السلبي؛ وثانيهما: شراء أصوات انتخابية بشكل مباشر أو غير مباشر عبر ما تقدمه الأحزاب من مساعدات مالية ومكافآت غذائية، وبالتالي فلا قيمة لتلك الأصوات الانتخابية، لكونها لا تعرف حقيقة من صوتت له، وهو ما نشهده اليوم في أحداث غزة الأليمة، حيث كشفت الديمقراطية الغربية عن وجهها القبيح الذي أنتجته، من خلال عديد من ممثليها الذي مارسوا أبشع أنواع الخيانة لمبادئهم التي تشدقوا بإعلانها حال برامجهم الانتخابية، وباركوا قمع كل الأصوات المناهضة لحرب الإبادة في غزة.

أخيرا أذكر القارئ الكريم بأننا كمسلمين كنا أول من أسس لقانون العقد الاجتماعي قبل أي حضارة أخرى، عبر ميثاق صحيفة المدينة الصادر في السنة الأولى للهجرة 622م والتي سبقت وثيقة الحقوق المدنية «الماجنا كارتا» الصادرة عام 1215م، ومن خلال الصيغة التعاقدية في خطبة تولي الخليفة أبوبكر الصديق مقاليد الخلافة والحكم، وأخيرا في بنود عهد الأشتر النخعي التي قررها الإمام علي بن أبي طالب له حال تعيينه أميرا على مصر.

وجميع ما ذكرت كان بمثابة النبراس لعلماء الأنوار في أوروبا الذين استقوا منها أفكارهم، والله غالب على أمره.

zash113@