عبدالله سعود العريفي

وجه ابن فهرة

الأربعاء - 15 مايو 2024

Wed - 15 May 2024

الأمثال الشعبية هي من أكثر فروع الثقافة الشعبية ثراء ومن أكبر تشعباتها رحابة ومن أعلى امتداداتها سعة؛ لأنها تبرز التعبيرات الناتجة عن خبرات وتجارب طويلة وتمرس في الحياة وتجسدها وتكسبها قالبا محسوسا ويكون ملخصها العظة المستمدة من الدراية وموجزها الحكمة المستوحاة من الحنكة ومختصرها العبرة المكتسبة من التجربة ويتم تدعيم حفظ تلك الأمثال وتعزيز سهولتها وتحصين خلوها من التكلف والغموض والتعقيد، وهي تصدر عمن أوتوا حصافة الرأي وسداده، والعلم بحقائق الأشياء وتقدير الأمور تقديرا تاما وسليما نتيجة المرور بمواقف معينة وممارسة تصرفات محددة.

وتم تناقل تلك التجارب جيلا بعد جيل وزمنا بعد آخر والتعبير عنها بأنواع الطرق وبمختلف الأساليب، ويردد الكثير من الناس ويعيدون كثيرا المثل الشعبي القائل: «فلان وجه ابن فهرة» وهو يطلق على كل من نزع الحياء من وجهه وتجرد منه ذكرا كان أو أنثى ممن فقد الشعور المرهف والحس السليم والقدرة على التمييز بين الجودة والرداءة إضافة إلى عدم العناية بما يكابده الآخرون من مشاكل وشدائد وأزمات قد تحل بهم بسبب سفاهته وما يقاسونه من آلام وإزعاج ومضايقات قد تصيبهم جراء قلة حيائه وصفاقة وجهه وغلظته وعدم اهتمامه بمشاعرهم.

«وجه ابن فهرة» عبارة قديمة ولفظ موجود منذ عصر بعيد وجملة مضى على وجودها زمن طويل ولكن ذلك الوجه موجود في كل زمان ومكان؛ فهذا النموذج من الناس وتلك العينة من البشر قد توجد في أماكن العمل وفي المجالس وفي الطرق النافذة التي يسلكها جميع الناس وفي الأسواق التي تباع فيها البضائع وتشترى فيها السلع وبين أهل الإنسان وأقاربه وأصدقائه، وإن وجد فلن يكون إلا أفكا مخادعا لئيما لا يستحي وإن لوقي فلن يلاقى إلا شحيحا دنيء النفس مهينا؛ فترى الجشع في عينيه وتبصر البخل والتقتير في ملامحه وتشاهد الشره في معالمه وتلمح الطمع في نصيب غيره في أوصافه، لا يأبه بمن أمامه ولا يكترث بمن حوله ولا يهتم بمن معه ولا يلقي له بالا، تصرفاته بعيدة عن الصواب ومع ذلك لا يبالي ولا يكترث ولا يهتم.

لا شك أن الحياء يحمل الإنسان على التحلي بكريم الصفات وجميل العادات وطيب الممارسات؛ فهو يخلص النفس من كل الشوائب والضغائن ويوقظ في الروح النفع ويسبغ على القلب إشعاعا ويكسب العقل بريقا ويغمر الإدراك نورا؛ فلا يقع في زلة ولا يهوي في عثرة ولا يسقط في كبوة ولا يهبط في غلطة.

وإذا اتصف الإنسان بخلق الحياء وتحلى به اندفع لأداء حقوق الآخرين على أحسن وجه وأكمله والقيام بما عليه من أعباء وإنجاز ما عليه من واجبات وإتمام ما عليه من التزامات والامتناع عن كل ما يثلم المروءات من نقائص وما ينقص المكرمات من عيوب وما يُصدع محاسن الأخلاق من أخطاء، وإذا تخلى الإنسان عن هذا الخلق الرفيع وتركه هوى في بحر متلاطم الأمواج من السوء وتجرد من كل المحامد والمناقب والمحاسن وكان بغيضا ممقوتا مثيرا للاشمئزاز، لا يطمئن له أحد ولا يأتمنه بشر ولا يضع ثقته فيه إنسان؛ لأنه هوى عن ذروة التمام وسقط عن قمة الكمال وانحدر إلى مهابط الخصال الذميمة، ولا يزال يسقط من سيء إلى أسوأ ومن بشع إلى أبشع حتى يثبت في أسفل سافلين من الخسارة الكبيرة والحرمان الكامل والضياع التام.