ياسر عمر سندي

القراء الكلاسيكيون

الأربعاء - 15 مايو 2024

Wed - 15 May 2024

قبل أيام، وفي أحد مقاهي مدينة جدة، لفت انتباهي أحد الزبائن ممسكا بيديه جريدة ورقية يقلبها يمنة ويسرة، وأمامه عدد من الصحف والمجلات المترامية، ومن أسمائها بدا أن بعضها محلي والأخرى عربي. وعند متابعتي سلوكيات الرجل وطريقة قراءته الفاحصة لصفحات الجريدة لكل خبر ومقال، وأسلوبه في طيها بكل مرونة، تأكد لي قدرته الاحترافية على التعامل مع معشوقته الورقية، وبأنه قارئ مخضرم.

أخذ ذلك القارئ الكلاسيكي الكريم وقته بما يقارب الساعة والنصف، في مناولة جرائده الورقية واحدة تلو الأخرى، الأمر الذي أثار حفيظتي من ذلك المشهد النادر، ودفعني للتساؤل بيني وبين ذاتي: لماذا يحافظ ذلك الرجل على تصرفه الأصيل في استمراره للقراءة الورقية؟

برأيي، أن القراءة الورقية لها رونقها الأنيق الخاص، وأسلوبها الرشيق المميز، لا يتقنه سوى ذلك الشخص الذي تجذرت داخله فنون القراءة المتعمقة، لاكتساب المعرفة بأسلوبها القديم من مبدأ قديمك نديمك ولو الجديد أغناك، وهذا لا يعني أن الأساليب التقنية الحديثة معيبة، أو أن من يفضلها ليس لديه أدنى أسلوب في القراءة، لا سمح الله.

وجدت أن هنالك استطلاعا للرأي أجراه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، شارك فيه شريحة كبيرة من القراء المحليين وكانت الاستجابات الراجعة من ذلك الاستطلاع 1110، وكان تحليل النتائج بأن ما نسبته 46% من المشاركين يفضلون القراءة الورقية للجرائد والمجلات. فيما يفضل 27% قراءة الكتب المطبوعة، و21% يميلون لقراءة الكتب الالكترونية. بينما يذهب 5% في رأيه الى قراءة الجرائد والمجلات الالكترونية؛ و1% يفضلون تصفح مواقع الانترنت.

في كثير من الدول الأوروبية والآسيوية، لا تزال ثقافة قراءة الصحف الورقية من أولويات ما يبدؤون به يومهم كتقليد متوارث وعادة مجتمعية، مع تناول وجبة الإفطار وشرب كوب من القهوة أو الشاي، لمعرفة ما يدور من أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، وفي بعض الدول العربية ما يزال الباعة المتجولون والأكشاك الصغيرة يروجون للجرائد والكتب الورقية المتنوعة، والبعض يقرؤونها على المقاهي الشعبية.

أرى أن الميزة الأولى للقراءة الورقية، ذلك الارتباط اللاشعوري قبل الشعوري، بين القارئ وتجانس الحواس، بما يلمسه من ورق والنظر المباشر للكلمات والرسومات والصور، ناهيك عن ذلك العبق الأخاذ لرائحة الكتب والمجلدات العتيقة، إضافة إلى معرفة التقدم المرحلي للقراءة، ووضع الفواصل بين الصفحات، والأهم من ذلك عدم وجود المشتتات المصاحبة التي تظهر كالإعلانات والتحديثات، ورسائل التطبيقات المتعددة على الأجهزة الذكية واللوحية وتأثيرها المجهد على العين من الإشعاعات الصادرة، وأخيرا أجد أن ذلك الإحساس لا يوصف حين مشاهدة الكتب، تسند بعضها بعضا على الأرفف.

القراءة الالكترونية، بلا شك، أصبحت أسلوبا حتميا للجيل الجديد، ولكن أجد أن القراء الكلاسيكيين لا تزال رشاقتهم باقية ومرونتهم مستمرة، اذا ما غابت التقنيات أو تعطلت الشبكات.

Yos123Omar@