ثقافة النرجسية والنرجسية الثقافية
الثلاثاء - 14 مايو 2024
Tue - 14 May 2024
بعض الباحثين النفسيين يرون أن النرجسية هي مرض العصر، وأن النرجسي لا يرى سوى وجهه في المرايا، وبالتالي فإن التطور المجتمعي في المجال الثقافي تحديدا ينتكس عندما تنتشر فيه ظاهرة سلبية كثقافة النرجسية، ففي عام 1979م، صدر كتاب مهم بعنوان (ثقافة النرجسية) للكاتب الأمريكي والمؤرخ الثقافي كريستوفر لاشش، والذي فاز من خلاله بجائزة الكتاب الوطني الأمريكي عام 1980م، وفي هذا الكتاب يرى المؤلف أن الرأسمالية بثقافتها الاستهلاكية أفرزت الثقافة النرجسية أو الأفراد ذوي النزعات النرجسية، ويؤكد الكاتب أن النرجسيين يهربون من أي علاقة تحتاج إلى الالتزام أو المسؤولية، ويعشقون الشهرة ومتعة الاستهلاك.
كما يعد كتاب (تعرية النرجسي) للكاتبة لويندي بيهاري من أشهر الكتب العالمية التي تناولت هذه الظاهرة النفسية المجتمعية، لا سيما ظهورها بين الكتاب والأدباء والفنانيين، والذين تتحول عندهم النرجسية إلى معادل موضوعي لعملية الابتكار والإبداع الفني، فالنرجسيون ينغمسون إلى أبعد الحدود في الاهتمام بذواتهم على حساب الآخرين، فتكون أنفسهم منشغلة ببلوغ المرحلة المثالية في نظر الآخرين، كالاستماع إلى المديح والثناء وعدم قبول فكرة النقد البناء أوالاستماع إلى الرأي الآخر، لكن السؤال هنا، من أين جاءت تسمية النرجسية؟!، تعود جذور هذه التسمية إلى أساطير مختلفة وقديمة في الأدب الأغريقي، تنتهي معظمها إلى فكرة محورية ترتكز حول عشق الذات ومركزية النفس، ومن هنا جاء تعريف قاموس أكسفورد للنرجسية بأنها حب الذات المفرط لدرجة الغرور والتمركز حول الذات.
مشكلة المثقف النرجسي أنه لا يعترف بمرضه الثقافي، وما أن تذكر عنده أحد المثقفين الآخرين إلا ويكيل له التهم ويقلل من قيمته الفكرية والثقافية، وأحيانا يتحول إلى شخصية سفسطائية في سبيل إثبات فكرته، وقد وجدت أن كثيرا منهم يتمتعون بثقل ثقافي وفكر عميق لكن نرجسيتهم المفرطة تحرمهم من التواصل الفعال مع الآخرين!!.
ما يهمنا في المقال هو ارتباط النرجسية بالثقافة والمثقفين، وفي أدبنا العربي كم هائل من الدراسات التي تناولت النرجسية الثقافية، يقول الشاعر العباسي ابن حمديس الصقلي في وصف أحدهم:
كأنما العالم مرآته
فلا يرى فيها سوى شخصه
ولعملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد دراسة نفسية رائعة حول الشاعر العباسي أبي نواس، حيث اعتبره العقاد شخصية نرجسية من خلال أشعاره وسيرته الذاتية، كما أن بعض الباحثين والنقاد العرب اعتبروا المتنبي شخصية نرجسية بامتياز، وهذا قد يعيدنا إلى ما ذكرناه حول النرجسية كمعادل موضوعي للإبداع الفني، ولكن يبدو أن الأمر يتعلق بالمبدع نفسه، فإن سمح لذاته أن تقع في فخ النرجسية فسيحظى بنبوذ وسخط من حوله، كما حصل للمتنبي مع أميره سيف الدولة!!
خاتمة القول.. من الرائع أن يسعى المبدع أو المثقف نحو النجاح والتفوق ولكن بشرط ألا يكون ذلك على حساب الآخرين، فإن أدرك أن القمة تتسع للجميع فهنا سيفلت من فخ النرجسية، هذا المرض الثقافي الذي يفتك بكثير من الشخصيات الثقافية المبدعة في التاريخ الإنساني.
albakry1814@
كما يعد كتاب (تعرية النرجسي) للكاتبة لويندي بيهاري من أشهر الكتب العالمية التي تناولت هذه الظاهرة النفسية المجتمعية، لا سيما ظهورها بين الكتاب والأدباء والفنانيين، والذين تتحول عندهم النرجسية إلى معادل موضوعي لعملية الابتكار والإبداع الفني، فالنرجسيون ينغمسون إلى أبعد الحدود في الاهتمام بذواتهم على حساب الآخرين، فتكون أنفسهم منشغلة ببلوغ المرحلة المثالية في نظر الآخرين، كالاستماع إلى المديح والثناء وعدم قبول فكرة النقد البناء أوالاستماع إلى الرأي الآخر، لكن السؤال هنا، من أين جاءت تسمية النرجسية؟!، تعود جذور هذه التسمية إلى أساطير مختلفة وقديمة في الأدب الأغريقي، تنتهي معظمها إلى فكرة محورية ترتكز حول عشق الذات ومركزية النفس، ومن هنا جاء تعريف قاموس أكسفورد للنرجسية بأنها حب الذات المفرط لدرجة الغرور والتمركز حول الذات.
مشكلة المثقف النرجسي أنه لا يعترف بمرضه الثقافي، وما أن تذكر عنده أحد المثقفين الآخرين إلا ويكيل له التهم ويقلل من قيمته الفكرية والثقافية، وأحيانا يتحول إلى شخصية سفسطائية في سبيل إثبات فكرته، وقد وجدت أن كثيرا منهم يتمتعون بثقل ثقافي وفكر عميق لكن نرجسيتهم المفرطة تحرمهم من التواصل الفعال مع الآخرين!!.
ما يهمنا في المقال هو ارتباط النرجسية بالثقافة والمثقفين، وفي أدبنا العربي كم هائل من الدراسات التي تناولت النرجسية الثقافية، يقول الشاعر العباسي ابن حمديس الصقلي في وصف أحدهم:
كأنما العالم مرآته
فلا يرى فيها سوى شخصه
ولعملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد دراسة نفسية رائعة حول الشاعر العباسي أبي نواس، حيث اعتبره العقاد شخصية نرجسية من خلال أشعاره وسيرته الذاتية، كما أن بعض الباحثين والنقاد العرب اعتبروا المتنبي شخصية نرجسية بامتياز، وهذا قد يعيدنا إلى ما ذكرناه حول النرجسية كمعادل موضوعي للإبداع الفني، ولكن يبدو أن الأمر يتعلق بالمبدع نفسه، فإن سمح لذاته أن تقع في فخ النرجسية فسيحظى بنبوذ وسخط من حوله، كما حصل للمتنبي مع أميره سيف الدولة!!
خاتمة القول.. من الرائع أن يسعى المبدع أو المثقف نحو النجاح والتفوق ولكن بشرط ألا يكون ذلك على حساب الآخرين، فإن أدرك أن القمة تتسع للجميع فهنا سيفلت من فخ النرجسية، هذا المرض الثقافي الذي يفتك بكثير من الشخصيات الثقافية المبدعة في التاريخ الإنساني.
albakry1814@