ياسر عمر سندي

مغلق للصيانة الدورية

الأربعاء - 08 مايو 2024

Wed - 08 May 2024


لا تزال الجدلية قائمة بين مفهومي العقل والذهن؛ أما المخ والدماغ فقد حسما ذلك الأمر واللذان يشيران لذلك الحيز المادي المقسم داخل الجمجمة والذي يمكن لمسه وقياسه ومعرفة وزنه.

ومما يتفرد به الكائن البشري عن سائر المخلوقات هو العقل الذي تتم خلاله العمليات العليا كالفهم والإدراك والاستيعاب والتخيل والتصور وتدعمه المستقبلات الحسية كالسمع والبصر واللمس والتذوق والشم؛ وتتناقل العمليات العقلية العليا داخل ذلك الحيز المادي بتسارع ضخم جراء التبادل الصادر والوارد للموصلات العصبية.

أما الذهن عبارة عن جهاز متقدم مدمج؛ نفسي جسدي وعقلي فكري؛ يتأثر بالعمليات العقلية العليا ويتحسس من الجوانب المشاعرية الإيجابية والسلبية والخبرات التراكمية والإضافات المعرفية التي عاشها الإنسان ولايزال يتعايش معها.

إذن فالعقل مختص بالعمليات والذهن يترجم انعكاسات العمليات من الأفكار التي تشكل الابتكارات والإبداعات البشرية.

حالة الإغلاق الذهني ليست وهمية بل واقعية تحدث للإنسان وتفاجئه بتوقف قد يستمر لدقائق أو ساعات أو أيام وتعيقه عن ممارسة فطرته وطبيعته الاعتيادية لآلية العقل بالمرونة التفكيرية؛ وآلية الذهن بالرشاقة الفكرية؛ وتجعلانه في حيرة وتعجب متسائلا أنا لست على ما يرام اليوم؛ أو إنني غير قادر على التفكير هذا الوقت؛ مما يترتب على ذلك عدم القدرة لاتخاذ القرار المناسب أمام عدد من الخيارات الآنية المتاحة أو القصور في استدعاء الخبرات السابقة لموقف ما أو انحسار التداعي الحر من المخزون الفكري لتخصص الانسان في علمه وحرفته ومهارته؛ وكثيرا ما يقع فيها الممارسون للكتابة القصصية أو المقالية أو الشعرية وأيضا المفكرون والمحامون والقضاة والمهندسون والمدربون والمخططون؛ والذين تتطلب أعمالهم الإنتاج الفكري المتدفق.

هنالك قاعدة فقهية مبنية على الحديث النبوي «لا طلاق في إغلاق»؛ والذي يؤخذ به قضائيا للنظر في بعض حالات الطلاق جراء الإغلاق الذهني الذي يصل إليه الرجل من انسداد الطريق أمامه نفسيا وتفكيريا بسبب حالة انفعال الغضب العارم التي تصيبه؛ فيصطدم في جدار صلب لا يدرك عواقب قوله المتشتت وفعله المتخبط.

وأسباب الانغلاق الذهني متعددة بحسب ما يراه الباحثون والمتخصصون في مجال علم النفس المعرفي والمخ والأعصاب ومنها الجهد الذهني المكثف؛ الإرهاق البدني؛ التشاؤم؛ قلة النوم؛ سوء التغذية؛ الغضب الشديد؛ الشعور بالنقص؛ المثالية وادعاء الكمال؛ كثرة استخدام الأدوية.

الوصول للحلول يتطلب الوعي الذاتي بأن حالة الإغلاق الذهني تضاء كمؤشر تحذيري بأنك تحتاج للصيانة نتيجة أحد الأسباب المذكورة وبالتالي يستدعي الأمر التعامل بالحرص على النوم الكافي والاهتمام بنوعية وكمية الغذاء والتمتع المتقطع بإجازات للتصفية الذهنية والركون للراحة الجسدية والبعد عن الضغوطات مع ترتيب الأولويات والهدوء وعدم إعطاء الأهمية القصوى لكل أمر.

نظام التحكم الأعلى للكائن البشري يعمل بلا كلل ولا ملل؛ وتحميله فوق طاقته يفقده المرونة والرشاقة فيتعمد التوقف المفاجئ للراحة والتنبيه بحلول موعد الصيانة.

مع تمنياتي لكم بصيانة دورية واعية لأجهزتكم الذهنية.


Yos123Omar@