من أبو غريب إلى غوانتانامو رحلة مع حقوق الإنسان الأمريكية
الأحد - 05 مايو 2024
Sun - 05 May 2024
لطالما تشدقت أمريكا بأنها راعية وحامية لحقوق الإنسان، كما تم التعارف عليها ليس فقط أمريكيا وإنما أيضا عالميا وتزعم حرصها على نشرها ودعوة الدول الأخرى للتمسك بها خاصة دول الشرق الأوسط التي تقول عنها بأنها دول غير ديمقراطية وشمولية وغير ملتزمة باحترام حقوق الإنسان والدفاع عنها.
هذا هو الموقف المعلن أمريكيا ولكن نشاطات الإدارات الأمريكية المتعاقبة خاصة نشاطاتها العسكرية سواء خلف الكواليس أو في رحابها كشفت عن حجم نفاقها السياسي والأمني وأظهرت للجميع بأنها جعلت من الكيل بمكيالين عنوانا رئيسا لمختلف نشاطاتها دون أن تأبه بالعواقب.
وحتى نثبت ذلك عمليا يكفينا أن نستحضر أحوال سجنين شهيرين يقعان خارج حدود أمريكا ما جعلهما بالتالي خارج نفوذ سلطة أجهزة أمريكا الحقوقية والقانونية وهو حال أفسح المجال وسمح لجنود ومنسوبي الجيش الأمريكي بممارسة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في هذه السجون دون أن يتعرضوا لأي محاسبة أو عقاب.
أحد هذين السجنين وهو سجن أبو غريب الذي يقع في مدينة أبو غريب المجاورة لمدينة بغداد عاصمة العراق والذي رغم أنه عراقي الأصل والمنشأ إلا أن إدارته الفعلية كانت بيد القوات الأمريكية التي أطلقت العنان لمنتسبيها الأمريكان وسمحت لهم بممارسة أبشع الانتهاكات الإنسانية والأخلاقية بحق سجنائها العراقيين والتي كشفتها بالصوت والصورة مقاطع مرئية تم تداولها بكثافة وهي تنقل وتوثق هذه الانتهاكات الأمريكية والتي جعلت قسوتها وهمجيتها أشد الناس دموية يندد بها ويعلن عدم تأييده لها لأن آثارها فاقت كل وصف يمكننا التنبؤ به أو تصوره.
السجن الثاني هو السجن المعروف بمعتقل غوانتانامو الواقع في خليج غوانتانامو جنوب شرق كوبا ولاحظوا أنه هو أيضا يقع خارج الحدود الجغرافية لأمريكا ما حرم الكثير من نزلائه من حقهم في الدفاع عن أنفسهم واللجوء للقضاء الأمريكي إما لتبرئتهم فيطلق سراحهم أو لإدانتهم والحكم عليهم والذي يعد القيام به من أبسط حقوق أي متهم.
واكتسب هذا المعتقل شهرة واسعة تفوق تلك التي منحت لسجن أبو غريب نتيجة للكم الهائل من المخالفات والتجاوزات والانتهاكات التي كان يرتكبها الجنود الأمريكيون بحق مساجين هذا المعتقل في اعتداء صارخ على حقوقهم الإنسانية وحرمانهم من التمتع بأبسط صورها.
وفي شأن آخر يتعلق أيضا بانتهاك أمريكا لحقوق الإنسان والذي ساعد في الكشف عن حجم التناقض والتضارب في المواقف الأمريكية والغربية المعلنة وغير المعلنة من خلال تطبيقهم لمبدأ الكيل بمكيالين حول مثل هذه التناقضات إذا ظهرت.
وكان الفضل في فضح هذه الممارسات البعيدة كل البعد عن المبادئ والأعراف المتعلقة بحقوق الإنسان يعود لما كانت ولازالت تنقله وتبثه وسائل التواصل الاجتماعي عن مدى تورط الجيش الأمريكي وقياداته في دعم هذه الممارسات الإسرائيلية التي يندى لها الجبين من هول حجمها وعدد قتلاها.
وهو ما أوصل نسبة ليست بالقليلة من مواطني تلك الدول إلى تنظيم تحركات شعبية واسعة تطالب حكوماتهم بممارسة أقسى الضغوط على إسرائيل ومنعها من الاستمرار في ارتكاب مجازر لا تطال إلا مواطنين فلسطينيين مدنيين لا ناقة لهم ولا جمل فيما جرى ويجري على أرضهم وهذا تغير نوعي وغير مسبوق في النسق الفكري والمنهج السلوكي لدى المواطن الأمريكي والغربي بشكل عام.
وهذا الحال يبرهن على ما أصبح معروف سلفا بأن هنالك قضايا وأحداثا لا تخضع لنفس المقاييس والمعايير لدى صانع القرار الأمريكي والغربي ومن بينها قضايا الشرق الأوسط على سبيل المثال التي أصبحت لا تمثل للسلطات الأمريكية والغربية أكثر من جواد اعتادوا فيما مضى على امتطاء صهوته لتحقيق مصالحهم ثم عند انقضاء حاجتهم منه يترجلون عنه دون أدني اكتراث بما سيكون عليه حاله بعد تخليهم عنه.
ahmedbanigais@