هل تعرف الختمة السماعية أو الصوتية للقرآن الكريم؟
الأحد - 05 مايو 2024
Sun - 05 May 2024
هل تختم القرآن سماعا في كل فترة حسب استطاعتك؟
تبدو هذه الكلمة غريبة على كثير من القراء، الختمة السماعية للقرآن الكريم أو الختمة الصوتية للقرآن الكريم؟!
نعم هذا المصطلح للأسف ليس شائعا بين المسلمين اليوم، والاستماع سنة مهجورة يغفل عنها وعن التذكير بها كثير من أهل العلم والفضل والدعاة، وانصبت جهودهم على قراءة القرآن فقط، وفي كل خير.
وهو أن تعمد إلى سماع القرآن الكريم من غيرك من القراء المشهود لهم بالإجادة والاتقان من بداية سورة الفاتحة والبقرة إلى سورة الناس.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يسمع القرآن من غيره مع أنه قد أنزل عليه وكان يتأثر بسماعه، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليّ، قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]، قال: أمسك، فإذا عيناه تذرفان).
والاستماع للقرآن هو مظنة زيادة الإيمان وهذا حال أولياء الله الذين امتدحهم بذلك فقال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا..).
وقال الله بعد أن عد كثيرا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا). فقال تتلى عليهم فيسمعونها وخص السماع ولم يقل إنهم يتلونها أو يقرؤونها مع قيامهم بذلك قطعا.
ودعاهم ذلك إلى تعظيم الله عز وجل وأن يخروا بين يديه سجدا له وهم يبكون. وهذا من أعلى مقامات العبودية والاستسلام والخضوع لله تعالى.
وسورة الجن ومواطن سماعهم للقرآن من سورة الأحقاف لمن تدبرها تبين حقيقة عظمة السماع للقرآن الكريم، حيث إن هؤلاء النفر من الجن كانوا كفرة فلما سمعوا من النبي بعض الآيات انقلبوا حالا بعد انقضاء سماعهم له من الكفر إلى مرتبة عالية في الدين وهي مهمة الأنبياء والمرسلين وهي الدعوة إلى الله قال تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين).
ووصفوا القرآن حين سماعه بأنه عجب يهدي إلى الرشد وأصبح عظيمهم الذي كان فيهم، سفيها يقول على الله كذبا وزورا.
(قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا).
والاستماع للقرآن سبب لتنزل الرحمة كما قال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون).
والسماع قد يكون أدعى لتذكر الإنسان وهذا كان حال العرب الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يسمع أحدهم القصيدة مرة واحدة ثم ينقلها لقومه لا يخرم منها بيتا واحدا.
وأحوال وقصص العرب في ذلك كثيرة.
وقد قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: (فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقناها في سورتها في المصحف).
فسماعه لها من النبي جعله يفتقدها في هذا الموضوع ودعاه للبحث عنها حتى وجدها.
وقد أدرك الكفار الأوائل عظم قيمة السماع للقرآن الكريم وأنه يؤثر تأثيرا عجيبا يجعل الإنسان يترك معتقداته التي نشأ عليها ولبث فيها عمره ينافح عنها وإذا به يسمع من القرآن بضع آيات تنسف ذلك نسفا وتقلبه رأسا على عقب من مكذب معاند إلى صحابي رضي الله عنه، فهذا عمر، قال أهل مكة لو آمن حمار ال الخطاب ما آمن عمر فإذا به يسمع فواتح سورة طه فينقلب بسيفه الذي أراد قتل النبي به إلى أكبر مناصر له.
وأما إسلام الصحابي عدي بن مطعم هو شاهد أكبر على قيمة الاستماع للقرآن الكريم، حيث إنه نص على ذلك نصا فقال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون} [الطور: 35 - 37]، قال: كاد قلبي أن يطير). فانظر إلى قوله كاد قلبي أن يطير من سماعها، والقلب هو الذي فيه ثبات الإنسان إذا جاءته الأخبار وقرعته القوارع، ولكنه من بضع آيات اضطرب وكاد أن يطير. ووقر الإيمان في قلبه من حينها.
وإسلام سيد دوس الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه شاهد آخر فقد كان يتردد على مكة فلما صدح النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته نزل الطفيل مكة فأكرمه سادات قريش وأنزلوه أحسن منزل لما له من مكانة ووجاهة وقد حذروه من الاستماع للنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (إن له قولا كالسحر، يفرق بين الرجل وأبيه، والرجل وأخيه، والرجل وزوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك منه، فلا تكلمه ولا تسمع منه حديثا).
وقد اشتد تحذيرهم له من السماع حتى حشى أذنيه بالكرسف أو القطن فقال رضي الله عنه: (فوالله ما زالوا بي، حتى عزمت على ألا أسمع منه شيئا ولا ألقاه، وحين غدوت إلى الكعبة حشوت أذني كرسفا - أي القطن - كيلا أسمع شيئا من قوله إذا هو تحدث، وهناك وجدته قائما يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض ما يقرأ، فسمعت كلاما حسنا، وقلت لنفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر لا يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من الرجل ما يقول، وإن كان الذي يأتي به حسنا، قبلته، وإن كان قبيحا، تركته؟!
ومكثت حتى انصرف إلى بيته، فاتبعته حتى دخل بيته، فدخلت وراءه، وقلت له: يا محمد، إن قومك قد حدثوني عنك كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك، حتي سددت أذني بكرسف؛ لئلا أسمع قولك، ولكن الله شاء أن أسمع، فسمعت قولا حسنا، فاعرض علي أمرك؛ فعرض الرسول علي الإسلام، وتلا علي من القرآن، فوالله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت، وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا رسول الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا فيما أدعوهم إليه)، فقال -عليه الصلاة والسلام -: (اللهم اجعل له آية).
وهؤلاء قوم نوح عليه الصلاة والسلام - الداعية الأعظم في التاريخ - جعلوا أصابعهم في آذانهم حين دعاهم إلى الحق الذي معه (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم).
وحين كان الكفار يسمعون القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه في بداية دعوته بمكة كانت تتغير وجوههم ويكادون يقتلون ويؤذون من أسمعهم القرآن، قال تعالى:(وإذا تتلى عليهم آيتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا).
وهذا عتبة بن ربيعة أبو الوليد قد انتدبته قريش ليخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ويساومه في دعوته بأمور كثيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم :(أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم (حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة)... والقصة معروفة في كتب السيرة.
وقد استنكر الله على الكفار عدم خضوعهم بعد سماع القرآن الكريم فقال: (فمالهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون). والأدلة كثيرة في الشرع حول هذا.
فحين أيقن الكفار هذا التأثير نهوا بعضهم وتناصحوا بينهم بألا يسمعوا لهذا القران ويلغوا فيه، (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه). فعجبا لمن كان الكافر أفقه منه في دينه!.
ختاما، هناك بعض النقاط:
- من الأفضل لكي يستفيد الإنسان الفائدة القصوى من سماع القرآن الكريم أن يطهر محل السماع فلا يسمع اللغو وأهل الشبه والبدع، والمحرمات بكافة أشكالها لأن المحل سيكون مشغولا بالباطل فلا ينتفع انتفاعا كاملا بالحق، وإذا لم يقدر على الامتناع عن السماع المحرم زاحم ذلك بسماع القرآن ولو لم يجد لذة في البداية، وهكذا يقال في بقية العبادات؛ فمن أراد لسانا لاهجا بذكر الله لا يفتر عن ذلك طهره أولا من الكذب والغيبة والنميمة والسب واللعن وقول الزور وهكذا.
- أن يستحضر المؤمن النية في هذا السماع وأن يعدها كإرادة التدبر ومتابعة السنة والامتثال لأمر الله بالسماع للقرآن.
-أن يتفكر في بديع صنع الله لهذه الحاسة فيه وعظيم نفعها وفائدتها وتمييزها لملايين الأصوات ومعالجتها لها في أجزاء من الثانية.
- أن يستحضر المؤمن ويتفكر في عظمة الخالق سبحانه وتعالى وأن له سمعا لا يماثل سمع المخلوقين وأنه يسمع كل شيء مهما خفي وأنه لا يشغله صوت عن صوت ولا تتداخل عليه أصوات المخلوقات وغير ذلك من التنزيه الذي يستحقه سبحانه وتعالى.
-إن في إثبات السمع لله سبحانه وتعالى رد على كثير من عباد الأصنام والأوثان، حيث إنها لا تسمع ولا تبصر فكيف تجيبهم وأنها لا تغني عنهم من الله شيء.
- أن يسأل العبد ربه ليكون من (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ولا يكون من الذين (قالوا سمعنا وعصينا). فالمقصود من السماع الامتثال والاتباع.
- هناك مبادرة نافعة للاستماع للقرآن الكريم ومنظمة ومجدولة بصوت بعض أئمة المسجد الحرام وهي باسم (منصت الوحي). يبحث عنها في الوسائل المختلفة.