فهيد العديم

الكاتب «الدرون»!

الأحد - 05 مايو 2024

Sun - 05 May 2024


هل تخيلت عزيزي القارئ الكريم أن تصحو ذات صباح وتجد نفسك قد تحولت إلى طائرة «درون»؟! نعم طائرة «درون»، والأمر مبهج حقا، فلا يستلزم الأمر أن تغسل وجهك، كل ما تحتاجه قطعة قماش ناعمة تمسح فيها عدستك ثم تنطلق – عفوا تحلّق – لترى كل شيء من أعلى، ترى شروق الشمس «على حجاجك الأيمن» هذه المرة، تمسح على هامات النخيل وكأنك تغسل نعاسها ببشرى الشروق، وترى براءة بنات الروضة كفراشات أنيقة يعبرن مسارات الفرح متجهات لمدارسهن، ترى كفوف الأمهات وهن يلوحن لأطفالهن ويتمتمن بوردهن اليومي، تشارك العصافير أغاني الصباح.

ونحن - معشر الكتاب - المهتمون بالهم اليومي ومشاكل البنية التحتية «رغم شيوع مصطلح البنية التحتية إلا أنني أرى أن المصطلح ساخر أكثر مما ينبغي!» لو تحولنا إلى كائنات درونية - نسبة إلى طائرات الدرون وليس إلى نظرية داروين أو قلعة وادرين! - المهم أننا لو تحولنا إلى كائنات درونية فإن نظرتنا للأشياء من حولنا ستتغير بالتأكيد لأننا سنرى الأشياء من الزاوية الخامسة التي لم نجربها من قبل.

خذ مثالا بسيطا: لو كنت - لا سمح الله - كائنا طبيعيا تذهب لدوامك ووسوس لك شيطان مزاجك بأن تأخذ معك كوب قهوتك، واعترضتك حفرة في «الردمية» المسماة شارع مجازا، وانسكب كوب القهوة على ثوبك الأنيق، فإن ذلك سيعكر مزاجك، ولأنه أصبح من المستحيل الذهاب للعمل بهذه البقع التي جعلت ثوبك مليئا بخرائط لقارات لم تكتشف بعد، بالطبع ستغير وجهتك وتتجه «للمنطقة الصناعية» لمعالجة الرباط الصليبي التي خلفته الحفرة التي لا تعرف من المتسبب بها، لكنك في الأخير تؤمن أن الأمر قضاء وقدر، لكن ماذا لو كنت طائرة درون؟ طبعا ستتغير نظرتك لنفس الموقف وأنت ترى من الأعلى السيارة وقد غيرت وجهتها للمنطقة الصناعية؛ فترى الأمور من منظور تكاملي بين الجهات؛ فلو لم «تهبد» في الحفرة فأنك لن تذهب للميكانيكي، وهذا يعني أن الميكانيكي سيظل بلا عمل، ومع توقف زيارة الزبائن من الطبيعي أن تغلق المنطقة الصناعية أبوابها، وبهذا تعرف قيمة «الحفرة في الشارع» وتعرف قيمة مساهمتك الاجتماعية بمساعدة العمال البسطاء العاملين في الصناعية.

وأنت في رحلتك الفضائية احرص أن يلفت نظرك عمود كهرباء ولد في المكان الخطأ، خاصة أننا في فصل الصيف، ولأنك أصبحت طائرة ابن تسع وتسعين درون فإن حياتك رهن التيار، وقد تلفظ أنفاسك على شاحن بلا تيار، أما إذا ضاق بك الفضاء فما عليك إلا أن تلفظ تيارك (بدون أنفاس) وتطفئ وميض ذاكرتك وتنام، لكن احذر أن تحلم إن أصبحت «بني آدم» وقتها سينسكب عليك كوب القهوة!


Fheedal3deem@