عبدالله سعود العريفي

حنين لا ينتهي

الأربعاء - 01 مايو 2024

Wed - 01 May 2024

في زمن يتسم بالسرعة تتحول فيه معالم الأماكن وتتبدل مواضع المنازل وتتغير مقار المساكن تستمر بعض الأشياء في الوجود وتدوم كما لو كان الزمن قد توقف عندها، والرجوع لتلك الأماكن والتوجه لتلك المنازل والمرور بتلك المرابع والتوقف عند تلك المساكن يلهب في نفس الإنسان ذكريات الماضي ويؤججها ويزيدها اضطراما واحتداما وتستخرج شيئا من ذاكرته وتذكره بأشخاص عرفهم وآخرين أحبهم وأماكن ألفها وأخرى تعود على زيارتها، سيرة حنين لا ينتهي تتبعثر بين خيوط الشوق والحنين يستذكرها الإنسان وربما تتضاعف بقوة وتزداد بكثرة حينما يرى أطلال منازل آبائه ويشاهد بقايا مساكن أجداده في مراتع الصبا التي يجد لهوائها ومائها وحرها وبردها مذاقا مختلفا، يستعرض تلك المدة الطويلة من ذلك الماضي البعيد بعفوية وتلقائية وسلامة نية وعدم تكلف أو تصنع ويرى أنها الأقرب لقلبه وعقله رغم البعد، والعودة لذلك الماضي بجميع صوره والرجوع إليه بكل تفاصيله يساهم في تجميل رؤية الواقع وتحسينه باستمرار أو على أقل تقدير التكيف والتوافق معه.

وعندما يداعب الإنسان الحنين ويأخذه الوله وينتابه الاشتياق إلى ذلك الزمن القديم والماضي البعيد بما فيه من طفولة بريئة حينها يتوقف ليدرك أن هناك أياما لن تعود وسنين لن تأتي وأزمنة لن ترجع، وحين يسترجع تلك الأيام الخوالي ويتذكر تلك الأمكنة التي غادرها أصحابها منذ زمن بعيد؛ فإنه يحس بشوق للرجوع إليها بصورة مطلقة والعودة إليها بدون تقييد أو هموم أو غموم ليبقى على براءة الطفولة بوضوحها وصفائها وبساطتها.

الحنين الدافئ إلى الماضي وليس البكاء على الأطلال هو لحظات ترفع مستوى رضا الإنسان عن ذاته وانتمائه الاجتماعي وتشحذ هممه وتنشطها وتقويها عندما يتذكر ماضيه أو سجل إنجازاته، وذلك الحنين هو شعور بالسكينة والاستقرار وإحساس بالطمأنينة يغمر الإنسان عندما يذهب إلى بيته القديم ويستعيد شريط الذكريات ويسترجع معلومات سابقة مضى عليها فترات زمنية طويلة ويستذكر كيف كانت حياته اليومية، يحن لأيام ذلك الماضي ويراها أياما دافئة في عمق العلاقات قد تحولت إلى كيان حاضر في عقله ونفسه وسلوكه ويرى من كانوا جزءا من أيام طفولته وعالمها الذي لا يفهمه إلا من عاشه ولو لم يكن يتفاعل معهم فجميعهم جزء من أحداث الطفولة الراسخة في ذاكرته والمتأصلة فيها.

تبقى ملامح الطفولة وخصائصها ومعالمها الواضحة مستقرة في ذاكرة الإنسان وثابتة في مخيلته ولا تتبدل في عقله الباطن المقترن بالمكان والمرتبط بالزمان والمتصل بالرفاق والملتصق بالأصحاب؛ فهو بطبيعته يضم كل المتغيرات ويستوعب كافة المتحولات ويحتوي جميع التقلبات وبالتالي تكون مرحلة الطفولة هي البداية والأصل والأساس والمرتكز ودائما يكون الحنين والشوق والتوق والصبوة والأسف الممزوج بكآبة على ما مضى لها ولأيامها بجميع تفاصيلها وكافة ذكرياتها.

ذلك الحنين شعور ينتاب كل إنسان ويستولي عليه وهو يتفوق على إحساس الشوق إلى المستقبل، وتظهر الفائدة وتتمثل في أخذ الدروس والاتعاظ والاعتبار بما مضى وتقييم التصرفات أو المشكلات أو الأشياء أو الأحداث أو الإنجازات السابقة بطريقة معينة والبقاء على الإيجابي منها، وذلك الشعور بالحنين للماضي يعزز الإحساس بالترابط الاجتماعي إذ أن الذكريات غالبا ما تضم الأحباب وقد تمتد لتشمل الكثير من الناس عبر العديد من الفترات الزمنية المختلفة.