سقف الصياعة
الثلاثاء - 30 أبريل 2024
Tue - 30 Apr 2024
كان السؤال عشوائيا لمجموعة من السيدات الفاضلات عن أمنيات «الصياعة» التي لم تتحقق بعد في الحياة؟ كان شرط الجواب التصريح بلا خجل.. بعيدا عن الرقابة الذاتية خاصة مع المقربات من الصديقات.. وكيف يمكن للأمنيات بخيرها وشرها أن تخرج للعلن دون خوف من الأعراف والتقاليد.. وما سقف الأحلام التي يعانقها الخيال.. وإلى أي حد قد تصل؟ جاءت الردود مدهشة: الصياعة عندي هي الخروج من الصباح والعودة متأخرا.. يعني إفطار مع الأصدقاء.. ثم دردشة بعدها الذهاب إلى صالون تجميل ثم غداء ثم تسوق وختام الليل بسهرة ممتعة، قالت الثانية: بالنسبة لي بحر، و«تشميس» وقارب وغوص، وقالت الثالثة: الغداء في باريس والعشاء في لندن، أما الأخيرة فقالت: نحن جيل تربى على «قصص عالمية مشهورة مثل ليلى والذئب،Snow white، روبن هود، طرزان، سندريلا... ولما كبرنا اكتشفنا أن واقع هذه القصص الحقيقي يكشف غايات أخرى.. وهي أن ليلى فتاة طائشة وغير مطيعة لأمها، وأن بياض الثلج كانت تقطن مع الغرباء، روبن هود كان لصا غايته تبرر الوسيلة، حتى لو أعطى الفقراء.. طرزان نتاج بيئة قاسية أنتجت من يجوب الغابات شبه عاري، أما سندريلا فلم تكن تعود لمنزلها قبل منتصف الليل».. فكيف تظنين سيكون سقف أمنياتي «الداشرة»؟ وانتشر الضحك بين الجميع.
أظن أن الصياعة Audacity لها آداب وقيم وأخلاقيات أيضا، وتشير في السياق العام إلى فعل الجرأة في التصرف أو التعبير.. قد يصل إلى حد الوقاحة.. أو القيام بشيء مثير للدهشة أو الصدمة.. بشكل مفاجئ أو بدون تردد. قد يتضمن ذلك تحد للمعتاد أو المألوف، تحد للأعراف والقيم المغروسة، أو مخاطرة بالقيام بشيء معين رغم العواقب الوخيمة المحتملة.
هذه الصفات قد تظهر من الأشخاص في مواقف مختلفة من الحياة اليومية، سواء كانت اجتماعية، مهنية، أو حتى شخصية. يعززها ثقة الفرد من قدراته لدرجة أكثر من اللازم، فيصبح أكثر استعدادا للتصرف دون خجل.. مفهوم «الصياعة» لدى الأجيال المخضرمة يعني «قلة الأدب».. يعني أن تدخن مثلا أو تشرب القهوة وتشاهد الأفلام وتتحدث في الهاتف لساعات.. أن تكون شخصا بلا هدف مثيرا للمشاكل.
أما لدى الأجيال الجديدة فيختلف المفهوم تماما لأنه أصبح يشير إلى الشخص القادر على مجابهة الحياة، ولكن بأدب مبطن.. أن يكون شخصا داهية يتصرف بفطنة ودراية ليأخذ حقه أو حق غيره.
تختلف التعريفات للمفهوم من جنس لآخر ومن مراحل عمرية لأخرى، واختلف المعنى للدلالة على الفهم والقدرة على التصرف في المواقف الصعبة باستخدام الذكاء في أخذ الحق أو خداع المخادعين. عندما نقول صاع المرء فإن المقصود هو فسدت اخلاقه وتشرد.. وهناك صوع وصوعان.. إلا أن المفردة بذاتها تعدت الحواجز في المقصد.. ولم تعد تقتصر على الأفعال المشينة.. فحتى الأفعال يطلق عليها أنها أفعال «صايعة» مثل: هدف رشيق من أبعد مسافة في مباراة كرة سلة.
وعندما نتحدث عن المخاطرة بلا حسبان فإن الأمر يصبح أكثر تحديا عندما يكبر الشخص في العمر.. لأن الارتكاب الأهوج سيكون أكثر تأثيرا على حياته وحياة الآخرين من حوله، وبالتالي يصبح اتخاذ القرار أكثر دقة ومراعاة للعواقب المحتملة، التوق لفعل شيء مخالف هو شيء معقد، مسترسل بين الحياد والوضوح، والمناطق المعزولة في روح الإنسان. بين الحسنات والسيئات.. الارتكاب والجزاء.. خاصة عندما لا تتجاوز منظومة القيم الإنسانية أو الاجتماعية أو الدينية المتعارف عليها.
وبالرغم من أن السؤال خرج عشوائيا متحررا من كل النوايا السيئة.. ولم يكن هو لب القضية.. بقدر ما كان الإطار الذي قد تصب فيه أمنيات الحياة اليومية، وتلتقطه الأنفاس ليخرج من الأعماق وبكل أريحية... الأمنيات المخبأة التي تم التصريح بها كانت بالونات كبيرة تنفخ بهدوء ليتم ربطها بقوة.. ثم تترك طليقة بين قسمات الوجوه وآهات الأيام.. أن تمتلك القدرة على فضح الدفين، يعني أن تشتاق لفعل شيء مختلف حاضرا ومستقبلا.. ولا يعني ذلك أنك ستكون «مؤدبا» طيلة الوقت بقدر ما يجب أن تكون على حق.
الحنين للاختراق يبدأ منذ تأمل السقف.. السقف هو الأعلى المقابل للأدنى.. هو الحد الباذخ للأشياء التي لم تصنع بعد.. ولست هنا لألعن الرتابة أو أمجد العيش الرتيب.. كل ما هنالك أن المفردة لفتتني بتضادها ودلالاتها عند البعض.. أن تكون مختلفا «بصياعة» يعني أن تحلق في فضاءك الخاص على أن تملك أدوات التحليق.. أن تستمر في النضج دون خدوش أو رهانات على ضرورة أن تكون «الصياعة» لغزا مشوش الدلالة.. مؤذيا ومحطما لكل ما حوله.. شيئا نعلمه ونجهله وفي نفس الوقت نتوق لنفعله.
اكتشفت في نهاية الحوار أن هناك أسئلة تفتك بك أكثر من الهموم.. وأن الإجابات ترف قد يعبر عنه في لحظات فجائية.. لتجد الضوء في الأرواح.. أو تصب اللعنات على العتمة.. هو القرار في الاستفسار عن أمور تكون أو لا تكون.. «وإن ربا كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غد ما يكون».
smileofswords@
أظن أن الصياعة Audacity لها آداب وقيم وأخلاقيات أيضا، وتشير في السياق العام إلى فعل الجرأة في التصرف أو التعبير.. قد يصل إلى حد الوقاحة.. أو القيام بشيء مثير للدهشة أو الصدمة.. بشكل مفاجئ أو بدون تردد. قد يتضمن ذلك تحد للمعتاد أو المألوف، تحد للأعراف والقيم المغروسة، أو مخاطرة بالقيام بشيء معين رغم العواقب الوخيمة المحتملة.
هذه الصفات قد تظهر من الأشخاص في مواقف مختلفة من الحياة اليومية، سواء كانت اجتماعية، مهنية، أو حتى شخصية. يعززها ثقة الفرد من قدراته لدرجة أكثر من اللازم، فيصبح أكثر استعدادا للتصرف دون خجل.. مفهوم «الصياعة» لدى الأجيال المخضرمة يعني «قلة الأدب».. يعني أن تدخن مثلا أو تشرب القهوة وتشاهد الأفلام وتتحدث في الهاتف لساعات.. أن تكون شخصا بلا هدف مثيرا للمشاكل.
أما لدى الأجيال الجديدة فيختلف المفهوم تماما لأنه أصبح يشير إلى الشخص القادر على مجابهة الحياة، ولكن بأدب مبطن.. أن يكون شخصا داهية يتصرف بفطنة ودراية ليأخذ حقه أو حق غيره.
تختلف التعريفات للمفهوم من جنس لآخر ومن مراحل عمرية لأخرى، واختلف المعنى للدلالة على الفهم والقدرة على التصرف في المواقف الصعبة باستخدام الذكاء في أخذ الحق أو خداع المخادعين. عندما نقول صاع المرء فإن المقصود هو فسدت اخلاقه وتشرد.. وهناك صوع وصوعان.. إلا أن المفردة بذاتها تعدت الحواجز في المقصد.. ولم تعد تقتصر على الأفعال المشينة.. فحتى الأفعال يطلق عليها أنها أفعال «صايعة» مثل: هدف رشيق من أبعد مسافة في مباراة كرة سلة.
وعندما نتحدث عن المخاطرة بلا حسبان فإن الأمر يصبح أكثر تحديا عندما يكبر الشخص في العمر.. لأن الارتكاب الأهوج سيكون أكثر تأثيرا على حياته وحياة الآخرين من حوله، وبالتالي يصبح اتخاذ القرار أكثر دقة ومراعاة للعواقب المحتملة، التوق لفعل شيء مخالف هو شيء معقد، مسترسل بين الحياد والوضوح، والمناطق المعزولة في روح الإنسان. بين الحسنات والسيئات.. الارتكاب والجزاء.. خاصة عندما لا تتجاوز منظومة القيم الإنسانية أو الاجتماعية أو الدينية المتعارف عليها.
وبالرغم من أن السؤال خرج عشوائيا متحررا من كل النوايا السيئة.. ولم يكن هو لب القضية.. بقدر ما كان الإطار الذي قد تصب فيه أمنيات الحياة اليومية، وتلتقطه الأنفاس ليخرج من الأعماق وبكل أريحية... الأمنيات المخبأة التي تم التصريح بها كانت بالونات كبيرة تنفخ بهدوء ليتم ربطها بقوة.. ثم تترك طليقة بين قسمات الوجوه وآهات الأيام.. أن تمتلك القدرة على فضح الدفين، يعني أن تشتاق لفعل شيء مختلف حاضرا ومستقبلا.. ولا يعني ذلك أنك ستكون «مؤدبا» طيلة الوقت بقدر ما يجب أن تكون على حق.
الحنين للاختراق يبدأ منذ تأمل السقف.. السقف هو الأعلى المقابل للأدنى.. هو الحد الباذخ للأشياء التي لم تصنع بعد.. ولست هنا لألعن الرتابة أو أمجد العيش الرتيب.. كل ما هنالك أن المفردة لفتتني بتضادها ودلالاتها عند البعض.. أن تكون مختلفا «بصياعة» يعني أن تحلق في فضاءك الخاص على أن تملك أدوات التحليق.. أن تستمر في النضج دون خدوش أو رهانات على ضرورة أن تكون «الصياعة» لغزا مشوش الدلالة.. مؤذيا ومحطما لكل ما حوله.. شيئا نعلمه ونجهله وفي نفس الوقت نتوق لنفعله.
اكتشفت في نهاية الحوار أن هناك أسئلة تفتك بك أكثر من الهموم.. وأن الإجابات ترف قد يعبر عنه في لحظات فجائية.. لتجد الضوء في الأرواح.. أو تصب اللعنات على العتمة.. هو القرار في الاستفسار عن أمور تكون أو لا تكون.. «وإن ربا كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غد ما يكون».
smileofswords@