عبدالحليم البراك

مناقشة ظاهرة الإلحاد

الاثنين - 29 أبريل 2024

Mon - 29 Apr 2024

وفقا لجوستاف لبون فقد «هيمن المنطق الروحاني حصرا في المرحلة البدائية من الإنسانية وعلى الرغم من تقدم المنطق العقلي فإن تأثيره (أي المنطق الديني) لا يزال حيا بقوة»، -ويقول في ذات السياق- «نجاحات العقل ستكون دون شك عاجزة عن زعزعة النزعة الدينية»، مستمرا في الحديث عنها في كتابه «الآراء والمعتقدات» ليصل بنا إلى أن يسميه «بالمنطق الديني ذي السلطة على الناس» ويشير أيضا «برتراند راسل» إلى أن المؤمنين بوجود الخالق سبحانه لديهم من الأدلة أقوى من غيرهم المنكرين لوجوده، بل يذهب الفلاسفة بعيدا نحو تعريف الملحد بأنه الذي يرفض وجود قوة خالقة وصانعة للكون بالأدلة العقلية» ويبدو بهذا التعريف أنه من النادر جدا وجود الملحدين وإنما هم مؤمنون أو لا أدريون الذين لا يملكون الأدلة لإنكار الخالق سبحانه وتعالى، وفي ذات الوقت لا يؤمنون بوجود خالق قدير وصانع لهذه الطبيعة.

تطل بين فترة وأخرى مجموعات ليست ملحدة ولا مؤمنة وإنما أقرب وصف يمكن وصفها فيها هو أنها مجدفة أو عدوة للدين فحسب ويقابلها محاولة استبعادهم ومصادرة آرائهم من خلال التجاهل وعدم الدخول معهم في حوارات إيمانية دينية على المستوى الفضاء العمومي باعتبار أن هذا مضيعة للوقت، أو أن التجاهل أفضل حل له ليموت في مهده «أميتوا الباطل بالسكوت عنه» وفي وقت يمكن القول بأن هذا الرأي صحيح أحيانا، فإنه في حالات أخرى يمكن الإشارة إلى أنه من الضرورة مناقشة هذه الأفكار وخاصة التي تنحو منحى جديا في الحوار الديني باغية الحق وهذه الحوارات يمكنها أن تخلق رؤية جيدة في الحوار، بالإضافة إلى أن التمرينات في الحوارات الدينية يمكنها أن تقلل الهوة ما بين الفئات في المجتمع وخاصة الشباب.

قد يكون من المناسب أن يتم كشف الجرح للهواء الطلق حتى يمكن له أن يبرأ وكذلك يتمكن الناس من مناقشة هذه الأفكار وتفنيدها ولا يعيب المنطق الديني أن يناقشها بكل جدية ووضوح من خلال نفس المنطق العقلاني الذي يزعم أصحابه طرحه مواضيعهم من خلاله ومن شأن هذه المناقشات أن تحمي أفكارنا، بالإضافة أنه يمكن أن تزول تلك الشبهة بالحوار والحديث عنها كما سيكتسب الأفراد في المجتمع من خلال هذه الحوارات اليقين التي يمكنها أن تزيد من الإيمان وفق المراجعات المستمرة بدلا من الإيمان المتوارث.

إن تغطية هذه الأفكار ومحوها ومحاولة تجاهلها لتقبع في الظلام – خاصة العقلاني منها وليس الجانب الجدلي التجديفي العابث - يمكنها أن تخرج للسطح كل هذه الأفكار بدلا من أن تنمو في بيئة مغلقة يعزز فيها بعضهم لبعض أفكارا دوغمائية لم يتم دحضها بالجدل العقلاني المستنير، وقد تجرح بلا شك هذه الحوارات قدسية الفكرة الدينية لدى البعض وهذا مؤكد لكن هذه الأفكار أفضل بكثير أن يتم نقاشها الآن بدلا من أن تخرج فجأة وسط صفوف الشباب مما يتعذر في ذات السياق أن يتم نقاشها والحوار معها وتصحيحها.

من خلال وجهة نظري، فإن من يعتقد أنه على صواب في كلا الطرفين فإنه يجب عليه أن لا يخجل من أن يستعرض مع الآخر أفكاره دون مصادرتها أو إدانتها لأن حجته أقوى وقادر هو على قيادة الناس نحو الصواب أي كان، وبلا شك أن الفكرة الهشة هي التي تخشى على نفسها من مواجهة الآخر وأفكاره، وهذا كتاب الله سبحانه وتعالى يدعو في أكثر من موضع إلى مناقشة غير المؤمنين في أفكارهم بكل صراحة ووضوح دون استبعاد أو مصادرة بل مفترضا أن أحد الطرفين على صواب والآخر على خطأ قال تعالى «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» قال ابن كثير « ذا من باب اللف والنشر، أي: واحد من الفريقين مبطل، والآخر محق، لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد، فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله، ولهذا قال «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» قال قتادة: قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين: والله ما نحن وإياكم على أمر واحد، إن أحد الفريقين لمهتد.

Halemalbaarrak@