حنان درويش عابد

حياتنا ومعادن الناس والسعادة إلى أين تهرب؟

السبت - 27 أبريل 2024

Sat - 27 Apr 2024

بغض النظر عن اختلاف البشر حول مفاهيم السعادة المتعددة، إلا أننا نتفق دائما على مبدأ أن السعادة لا يمكن أن تخرج عن حالة من حالات الغبطة التي تغمر القلب، والشعور بالرضا عن الاختيار.

ولأن البشر اعتادوا أن يبحثوا عن السعادة، فهم دائما لا يرون في البدايات مسألة تشغلهم بقدر ما يركزون على المنتج النهائي لحالة تفاعلهم الإنساني مع غيرهم، فيؤسسون لعلاقات كثيرة قد يدفعون أثمانا باهظة من أوقاتهم، أو جهدهم، وأحيانا أموالهم للوصول إلى السعادة كنتيجة لتلك العلاقات الإنسانية، ولكي تستمر حالة الصفاء قائمة لأطول فترة ممكنة.

ومع ذلك، فالناس لا يتشابهون في صفاتهم كما نعلم، ومن هنا فليس كل استثمار في السعادة لابد دائما أن ينتج عنه المنتج الذي يرضينا، فكثيرا ما نحصل على منتج رديء جدا، رغم أننا نكون قد بذلنا كل ما بوسعنا لتأسيس علاقة صحية وجميلة وقابلة للحياة.

وعلى مستوى الأسرة، تأتي أهم قيم السعادة، وتصطف في مقدمة أولويات الإنسان، قيمة صناعة هذا النوع من السعادة، ولأن الناس معادن، تظل قيمة السعادة في الأسرة الواحدة دائما غير خاضعة لقانون المعادن ذاك، لأن صلة الرحم، وخصوصية هذه العلاقة الدينية والإنسانية تستدعي الكثير والكثير جدا من الحكمة ومن التضحيات المنطقية المقبولة.

أما على مستوى العلاقات مع أطراف خارج مؤسسة الأسرة والعائلة والصداقة، فلعل الكثيرين يرون الصورة من منظور مختلف، ويحق لهم ذلك، فليست علاقة الإنسان التي تكون في العمل أو علاقته العابرة تلك مع أفراد يلتقي بهم على مستوى الحراك الاجتماعي اليومي أو السنوي، ليس أيا من ذاك يمتلك قيمة العلاقة الأسرية أو علاقة الصداقة، لذا فالتضحيات هنا محظورة، بل ويجرمها الدين والعقل والمنطق في كثير من الأحيان؛ لأنها تصبح إهلاكا للنفس وللعقل وللذهن.

وفي إطار علاقات الصداقة، ولأن الصديق يبدو ملاذا أكثر منطقية بعيدا عن الأسرة، حيث حالة «الفضفضة» التي نحتاجها كثيرا، تستدعي في كثير من الأحيان أن يغيب عنها مقص العائلة الاجتماعي الذي يتناغم اجتماعيا مع سلوك حب العائلة الصادق لمصلحة أبنائها، ولكن التي يغيب عنها أيضا في كثير من الأحيان سمة حسن تقدير الموقف.

حسن تقدير الموقف هذا أقرب إلى التحقق مع الصديق، لذا فإن الحصول على صديق حقيقي لاشك أنه قيمة عظيمة ونعمة بالغة التأثير الإيجابي على حياة كل منا.

من أجل هذا، ينبغي ألا يغيب عنا أهمية سبر أغوار النفس البشرية بحكمة وتأن وهدوء، أثناء قيامنا ببناء علاقة اجتماعية مع صديق أو صديقة؛ لأن الأثمان التي تدفع في حالة الاختيار غير الصحيح، عادة ما تكون أثمانا باهظة جدا.

معادن الناس تكتشف في المواقف، ومواقفنا هي هويتنا السلوكية، واحترام كل إنسان لإنسانيته يبدأ من إيمانه بأن العلاقة الاجتماعية هي ميثاق مقدس لا ينبغي خيانته؛ لذا فعلينا أن نعرف إلى أي المعادن نسلم أسرار حياتنا، ولأي معادن نبث همومنا، وهل المعادن التي تحيط بنا يستحق أصحابها أن يكونوا جزءا أصيلا من يومياتنا؟

hananabid10@