وليد الزامل

الاحتياجات الفسيولوجية بين السماء والأرض!

السبت - 27 أبريل 2024

Sat - 27 Apr 2024

الطائرة تعد بمثابة منطقة استيطان بشري مؤقت لكونها تحتوي على كافة الأنشطة والخدمات التي يحتاجها الإنسان بما فيها إمدادات المياه والغذاء ودورات المياه ووسائل الترفيه.

ويسري على الطائرة قوانين وأحكام الطيران المدني لكل دولة؛ كما يلتزم المسافر بالقوانين واللوائح الخاصة بالطيران بما في ذلك الحضور في الوقت المحدد واستكمال وثائق السفر والالتزام بأنظمة السلامة وتعليمات طاقم الملاحين في الرحلة.

في إحدى سفراتي القصيرة عبر الطائرة جلست في مؤخرة الطائرة وتقع مقاعدها عادة قريبة من دورات المياه.

لا أعرف إن كان ذلك ميزة أو نقطة سلبية ولكن تسنت لي فرصة ملاحظة حركة جميع الركاب لكوني في المؤخرة.

انتهت فترة الصعود للطائرة وبدأ الجميع بربط حزام الأمان وأعلن طاقم الملاحين عن إجراءات السلامة، ثم بدأت الطائرة بالتحرك على المدرج استعدادا للإقلاع.

ما إن تجاوزت الطائرة مرحلة الإقلاع واستقامت في رحلتها حتى انبرى العديد من المسافرين بخلع حزام الأمان والتوجه سريعا إلى دورات المياه.

أطفال، ونساء، وشباب، وكبار السن أراهم متوقفين أمام دورات المياه كل ينظر دوره.

على الرغم أن الرحلة لم تستغرق أكثر من ساعة واحدة؛ إلا أن عدد المترددين على دورات المياه تجاوز 30 شخصا على أقل تقدير.

كل ذلك يحدث في السماء وخلال فتره زمنية قصيرة لا تتجاوز ساعة واحدة.

وعندما نقارن ذلك على الأرض، حيث يقضي الإنسان معظم أوقات حياته فدورات المياه عنصر أساسي لا غنى عنه في فضاء المدينة.

محليا، لا زالت العديد من الفضاءات العامة في المدن خالية من دورات المياه، وتظل العديد من العناصر العمرانية والخدمات بمعزل عن الإطار التكاملي مع الأماكن العامة فدورات المياه في المساجد تقفل بعد الصلوات ولا يمكن استخدامها للعامة؛ وحتى العديد من مطاعم الوجبات السريعة يتوفر بها مغاسل لليدين دون دورات مياه بحجة عدم القدرة على صيانتها والاهتمام بها.

كما يتم إهمال دورات المياه حتى في بعض المشاريع والمعارض التسويقية، حيث يتم توفير عربات متنقلة Caravan مؤقتة وكئيبة المنظر وليست على درجة عالية من النظافة.

أما على طرق السفر فالحديث يطول عن مدى توفر دورات مياه نظيفة وصالحة للاستخدام البشري.

إن مفهوم جودة الحياة يؤكد على تصور الإنسان لحياته في سياق أهدافه وتطلعاته وقيمه وثقافته، ويشمل ذلك توظيف البيئة العمرانية لبناء الإنسان بدنيا، ونفسيا، واجتماعيا.

نبالغ أحيانا في الحديث عن تحسين جودة الحياة في المدينة لتعزيز صحة الإنسان وسعادته؛ بل ربما نخوض في تطوير الحاجات المتعلقة بتحقيق الذات كالابتكار وتقبل الحقائق.

ومع ذلك، يغيب عن أذهان البعض أهم عنصر مرتبط بقاعدة الاحتياجات الإنسانية وبالمتمثل بالجانب الفسيولوجي للإنسان.

هناك أولويات، فكيف يمكننا التفكير في البحث والابتكار قبل أن نفكر أولا بقضاء الحاجة؟ يضيع معظم وقتك وأنت تتجول بين المقاهي والمطاعم ليس من أجل الأكل والشرب؛ بل بحثا عن دوره مياه؟ في الواقع، لن تكون سعيدا وأنت تضطر في كل مرة لدفع مبلغ ربما يتجاوز 15 ريال للحصول على كوب قهوة ثم الدخول لدورة مياه إذ ليس من اللائق الدخول مباشرة لدورات المياه دون طلب قهوة فالمحل مفتوح لشرب القهوة وليس لقضاء الحاجة.

باختصار، قبل أن نمضي قدما في تحسين جودة الحياة علينا أن نبدأ أولا من توفير الاحتياجات الفسيولوجية للإنسان، فدورات المياه العامة في المدن عنصر رئيس في تعزيز قابلية العيش في المدينة.

waleed_zm@