زيد الفضيل

خطورة الإعلام وقت الأزمات

السبت - 27 أبريل 2024

Sat - 27 Apr 2024

في مقالي السابق «مراقب في وسط العاصفة» أشرت بوضوح إلى أهمية الإعلام وخطورته حال اندلاع الأزمات، وأوضحت بأني وحال اضطراري للبقاء في فندق مطار الملكة علياء بالعاصمة الأردنية جراء إغلاق الأجواء بسبب اندلاع مناوشات صاروخية بين إيران وإسرائيل، أخذت أتتبع القنوات الإخبارية المتلفزة والالكترونية، على أني اهتممت بالنظر إلى القناة الأولى الأردنية لأشهد تصريحات وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية معالي الدكتور مهند مبيضين، إذ مهم جدا لمن كان في حالتي أن يعرف الأخبار من مصادرها، وكانت التصريحات شافية ودقيقة ومطمئنة أكثر من تصريحات تلك القنوات الإخبارية الشهيرة، التي شعرت وكأنها تريد حدثا تشبع فيه لطما.

في الأردن لا يزال الإعلام المؤسسي محافظا على هويته، ولا يزال حضوره المجتمعي قائما بشكل عام، فالمؤسسات الإعلامية المسموعة والمرئية قائمة على أصولها، ومستمرة في تقديم موضوعاتها الرزينة، وعرض خدماتها الإخبارية والتحليلية المهنية، كما لا تزال التغطيات الصحفية والمقالات التحليلية حاضرة في المشهد، وهو ما يشكل ضمانة لاستقرار البلد وحمايته من أي تأثيرات إعلامية خارجية، أو أي تيه يمكن أن يضرب المجتمع بأطنابه فتختلف أقوال أفرادهم، وتسود الأخبار المغرضة، وهو ما يمثل تهديدا حقيقيا لأي بلد في أي مكان في العالم.

وواقع الحال فقد شكل الإعلام قوة ناعمة أدت إلى تغيير أنظمة عربية عديدة، وليست أحداث ما عرف بالربيع العربي عام 2011م ببعيدة عنا، وأحمد الله أني كنت من القلائل الذين شككوا فيه، وكتبوا مناهضين له، بل وكنت أحد القلائل الكاشفين لدور شبكة الجزيرة الإخبارية خلال تلك الفترة في خدمة أجندة الإسلام السياسي سواء في مصر وسوريا واليمن وصولا إلى ليبيا وتونس.

وأمام هذا الاختطاف من قبل سطوة وهيمنة الشبكات الإعلامية الخارجية، كتبت محذرا من خطورة السماح بموات المؤسسات الإعلامية الوطنية، ابتداء بالمؤسسات الصحفية، التي باتت في حكم الميت في الوقت الراهن، وانتهاء بمختلف القنوات الوطنية الإخبارية المسموعة والمرئية والتي لم تحظ بأي تطوير في ملكاتها، وما تقدمه من مادة خبرية هو أقل من الهزيل، وكذلك الحال مع القنوات الإخبارية الخاصة المحسوبة علينا كالعربية مثلا، والتي لم تحقق المراد من إنشائها، ولم تستطع أن تكون مصدرا خبريا أولا في سماء الخليج، ناهيك عن العالم العربي، وبالتالي فلا عجب أن ينصرف الناس إلى متابعة مختلف القنوات الإخبارية الأخرى التي تقدم مادة خبرية باحترافية ومهنية ذكية، مما يجعل منها قوة ناعمة مهددة لأمن أي مجتمع تريد استهدافه لسبب أو لآخر.

ولذلك فمهم أن يعاد النظر في أمر وموضوع إعادة تجويد إعلامنا الوطني أولا، ودعم روافده المتنوعة، وعدم الركون إلى ما يتم تقديمه من مادة خبرية مهزوزة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وبخاصة منصة (إكس)، والتي يتبنى تقديمها أفراد عاديون، ذلك أن الوطن لا يمكن اختزاله في أفراد بأي حال من الأحوال، وإنما تمثله مؤسسات سواء كانت رسمية أو شبه رسمية أو مدنية موثوقة، ولعمري فذلك ما ينادي به عديد من الإعلاميين المهنيين وأذكر منهم الصحافي الكبير قينان الغامدي، والصحافي المهني موفق النويصر، اللذين شرفت بأن ناقشت الأمر معهم بشكل مفصل عبر مادة حوارية ببرنامجي مدارات ثقافية على إذاعة جدة في وقت مضى.

ما أحوجنا اليوم إلى إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية وتطويرها بالصورة المهنية اللازمة، وإعادة دعمها ماليا بالشكل المناسب، لتقوم بواجبها باحترافية وموثوقية على أكمل وجه، لتكون هي المنصة الرئيسة التي يستقي منها المواطن والمتابع خبره، ويركن إليها وإلى تحليلها واستقصائها بشكل دائم، فهل إلى ذلك سبيل؟

هي رسالتي إلى الجهات المعنية، وهي نابعة من تجربة عشتها، شعرت خلالها وأنا أتابع تلك القنوات الإخبارية الشهيرة، وكأن حربا كونية على الأبواب، حتى إذا عدت إلى القناة الأولى الأردنية وتابعت تصريحات وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة والتي كانت متوالية، استكانت نفسي واستشعرت حالة من الهدوء، وأنها أزمة وستنتهي قريبا.

حفظ الله إقليمنا من كل سوء، وأنزل عليه هدوءه واستقراره.

zash113@