عبدالله العولقي

الميديوكر والنفوذ الثقافي السلبي

الأربعاء - 24 أبريل 2024

Wed - 24 Apr 2024

من باب المقارنة بين الإعلام التقليدي المرتكز على الإذاعة والتلفاز الرسمي والإعلام الجديد المعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، نتذكر كيف كان المذيع المثقف يقدم المحتوى الرصين بلغته العربية الفصيحة وأدائه اللغوي الفخم وثقافته الموسوعية بينما نجد فضاءات التواصل الاجتماعي اليوم تتسم بالفوضى العارمة وتزدحم فيها خيوط الغث والسمين، وإن كان الغث هو السمة الغالبة على هذا المحتوى الإعلامي.

هناك ملامح صراع طبيعية بين الإعلام التقليدي والجديد، أغلبها سلبي والقليل منها إيجابي، ففي حرب غزة الأخيرة، حاولت ماكينة الإعلام الغربي بنفوذها الطاغي أن تصطف مع العدوان الغاشم، وتحجب حقيقة الواقع المأساوي هناك، بيد أن كاميرا الفرد في غزة كانت تبث مقاطع الاعتداءات بصورة مباشرة من موقع الحدث وعبر منصات التواصل الاجتماعي لتخلق نمطية تعاطفية عالمية مع القضية الفلسطينية، وتهزم جبروت الإعلام الغربي بسلطته النافذة على العالم!!

هذه إحدى الصور الإيجابية لواقع الإعلام الجديد، ولكن إذا تحدثنا عن الجانب الآخر فإن الحديث يسوقنا إلى سيل من السلبيات المتدفقة، لا سيما ما يتعلق بفوضى المشاهير، أو صناع المحتوى السلبي - إن صح التعبير -، وهؤلاء بدأ يطلق عليهم توصيف مصطلحي غربي حديث يؤطر سلوكياتهم ضمن نطاق النشاط الإعلامي بـ «الميديوكر»، وهو توصيف يرتبط بضحالة الفكر ومتوسطية الوعي والتعليم والقيمة الثقافية، وهؤلاء الميديوكريون يمثلون -اليوم - أغلبية أصحاب نفوذ المحتوى الثقافي في وسائل التواصل الاجتماعي.

تتسم شخصية الميديوكر بمحدودية الطموح والنظر تجاه المستقبل، فتؤكد الدراسات البحثية التي تهتم بهذه الظاهرة أن حلم الميديوكر في أغلب الحالات ينحصر في حالات استهلاكية خالصة كشراء السيارة الفارهة أو المنزل الكبير أو قضاء الإجازة في المناطق السياحية غالية الثمن، وحتى يتم تغطية تكاليف هذه الطموحات الشخصية يتم نشر وتوثيق هذه الحالات من أجل الحصول على دعم الجمهور الذي يغطي جزءا كبيرا من هذه التكاليف بسبب المشاهدات المليونية والإعلانات الناتجة عنها، هذه الحالات المستحدثة في واقعنا الاجتماعي، بدأت تصيب المشاهدين والمتابعين بالإحباط والاكتئاب، وإحداث المشاكل الأسرية نظرا لعدم القدرة على مجاراة حياة هؤلاء المشاهير.

الأمر المخيف الآخر والذي يتعلق بهذه الظاهرة السلبية، هي دفع المجتمع البشري إلى ثقافة خطيرة تسمى إدمان التحسين OPTIMIZATION، وهي ثقافة شراء المنتج الأحدث على حساب ضروريات الحياة الأخرى، فنجد مثلا، تدافع الشباب والشابات إلى شراء النسخة الأحدث من الآيفون على الرغم من الاختلافات البسيطة وغير الجوهرين بين تلك النسخ، وقس على ذلك بقية المنتجات الاستهلاكية!!

هناك إشكالية مجتمعية أخرى لا تقل عما ذكر، تكمن في مفهوم القدوة، حيث أصبحت ظاهرة شخصية الميديوكر تتحول إلى مفهوم القدوة في العقل الباطن للناشئة والأجيال الصاعدة للأسف الشديد، وهذه الظاهرة لا تقتصر على مجتمعاتنا العربية فقط، وإنما سلبيتها المتفاقمة بدأت تعم المجتمعات البشرية بشكل عام، ولذا نجد الاهتمام الكبير حول هذه الظاهرة في الشرق والغرب خشية أن تتفاقم في المستقبل على حساب التعليم الناجع والثقافة الإيجابية والتربية الصالحة، وأخيرا القدوة الناجحة.


albakry1814@