بسمة السيوفي

هامورات..

الثلاثاء - 23 أبريل 2024

Tue - 23 Apr 2024

في الأسبوع الأخير من رمضان أعلنت لجنة الاستئناف في هيئة سوق المال قرارها القطعي القاضي بإدانة خمسة مستثمرين لمخالفتهم نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية وغرمتهم 3.5 ملايين ريال، وألزمت أربعة منهم بدفع 41.4 مليون ريال نظير المكاسب غير المشروعة التي تحققت على محافظهم الاستثمارية. الجريمة هي التلاعب والتضليل عبر سلسلة من العمليات قبل وبعد إدراج شركة «وطني للحديد والصلب» نتج عنها زيادة نسبة تملكهم في أسهم الشركة دون الإفصاح عن هذه النسبة لحاملي الأسهم والجمهور.. وهو ما استدعى إيقاع الحجز التحفظي على جميع ممتلكات المدانين بما في ذلك الحسابات المصرفية والاستثمارية إلى حين تحصيل المبالغ المحكوم بها.

اللافت للنظر أن ثلاثة من المدانين الخمسة «سيدات».. ربما أخوات.. والرابع يحتمل قريبهم.. أما المدان الخامس فقد قام بالترويج للرأي في مجموعتين في برنامج (الواتس أب) تحت مسمى (قروب الاكتتاب – الأسهم).. بهدف التأثير على سعر سهم الشركة، ومن ثم قيامه بالبيع والاستفادة من ارتفاع سعر السهم وذلك في الفترة من 17 يناير - 9 مايو 2021م. وقد تم التشهير بالأسماء الخمسة كاملة وأعلنت للعموم بعد صدور القرار القطعي من لجنة الاستئناف إثر بلاغ مقدم لهيئة السوق المالية. إذن هناك بلاغ ورصد وإحالة للنيابة العامة.. وهناك تنسيق وتعاون مشترك بين الهيئة والجهات المعنية.. ولدينا 3 «هامورات» مدانات في جريمة جنائية تتعلق بسوق الأسهم وتحت المساءلة النظامية.

«هامورات» سوق المال أو البورصة.. لمن لم يسمع بالكلمة.. هي جمع تأنيث هامور.. وهو نوع من أنواع الأسماك القوية التي تتغذى على الأسماك الصغيرة.. ويستخدم بشكل غير رسمي في الأوساط المالية (للرجل أو المرأة) تعبيرا عن الشخصية التي تتمتع بالنفوذ وتمتلك معرفة واسعة وتأثير في تحركات السوق؛ فتقوم بنشر معلومات زائفة لتنفذ عمليات مشبوهة تضخم سعر السهم أو تتلاعب بمخططات ضخ الأسهم وتصريفها، تعود الأسباب للرغبة في تحقيق الأرباح عبر الإدلاء بالمعلومات، أو استغلال الثغرات في النظام للحصول على المكاسب، والتلاعب بالأسعار على حساب المستثمرين الآخرين في حال ضعف الإجراءات الرقابية.. بالإضافة إلى الطمع والرغبة في تحقيق أرباح سريعة دون احترام القوانين.

والملاحظ تصاعد وتيرة التشهير بالجاني المدان قطعيا، كإجراء تعذيري بالنسبة للمشرع وصاحب القرار السعودي.. لتحقيق العدالة العامة وردع الآخرين عن ارتكاب أفعال مماثلة.. فنجد السوق المالية قد شهرت بفتاة وعاقبتها بغرامة مادية بلغت 20 ألف ريال لممارستها عملا من أعمال الأوراق المالية «دون ترخيص». وهناك قضية قديمة في 2015م لـ»هامورة المدينة» (لم يشهر باسمها) أم لسبعة أبناء وكانت تعمل حارسة في إحدى المدارس الابتدائية.. وحكم بسجنها 15 عاما وجلدها 1500 جلدة وكانت في الـ 40 من عمرها، إذ تمكنت من جمع 16 مليون ريال عبر 120 مساهما.. بهدف المتاجرة في سوق الأسهم (ولا أدري ما الحكمة من عقوبة التعذير بالجلد وقتها؟).

وهناك أيضا قضية شهيرة ضج بها المجتمع السعودي عام 2000م تسمى قضية «هامور سوا».. حيث تم الاحتيال على 40 ألف شخص بمبلغ وصل إلى مليار و400 مليون ريال سعودي.. إلى أن قبض على الفاعلين واعتقلتهما السلطات برفقة 59 وسيطا.. وقد تحولت هذه القصة الأخيرة إلى فيلم سينمائي جيد.

وتجدر الإشارة إلى أمرين أولهما: ارتفاع معدل مشاركة السيدات اقتصاديا في السوق السعودي.. فمناخ الاستثمار مشجع جدا ويتجه نحو النمو بفضل أرقام الميزانية، التي تشكل خارطة طريق حتى عام 2026، ويتوقع أن تتجاوز معدلات النمو 6%.

والثاني: أن أداء المستثمرات بشكل عام في السوق المالي السعودي هو الأفضل مقارنة بالرجال لعوامل عدة منها: عدم التأثر بالشائعات، وعدم الثقة الزائدة بسلوك القطيع عند ارتفاع أو انخفاض السوق.

وأيا كان المستثمر.. فالمرحلة القادمة تستوجب التركيز على سد الثغرات وتعزيز الرقابة والمساءلة؛ لحماية المستثمرين وسلامة الأسواق المالية، وعلى المستوى التطبيقي لابد من تعجيل إجراءات التقاضي وسرعة نفاذ الأحكام القضائية.. (فقضية الحديد والصلب أعلن حكمها بعد 3 سنوات تقريبا). لابد أيضا من تحسين أمن التطبيقات الإلكترونية.. وتقديم المبادرات التوعوية للتدريب على استخدام التطبيقات تقنيا للبنوك ومحافظ الاستثمارات المالية، ومن الممكن أن يلزم البنك المركزي السعودي الجهات ذات العلاقة بتقديم المبادرات كجزء من المسؤولية الاجتماعية، أو أن تقوم «تداول» السوق المالية السعودية، بتقديم ورش عمل تثقيفية للجمهور بشأن الاستثمار الآمن؛ لرفع مستويات الوعي وردع السلوك الاحتيالي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

خلاصة القول، أن الاحتيال يظهر جانبا مظلما من فساد الطموح البشري، وأنه لا يوجد سوق محصن ضد حالات الاحتيال أو سوء السلوك الاستثماري من الجنسين، كما أن نشر الحكم بعد اكتسابه الصفة القطعية عبر الوسائل الالكترونية والصحف المحلية.. لتوسيع دائرة التشهير، بالاسم بداية ثم الصورة في حالة العودة، لضمان وصولها لأكبر قدر من الناس.. وعلى نفقة المحكوم عليه هو تطبيق للمادة السابعة من نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة.

وسواء كانت الجانيات متعمدات أم تم التغرير بهن.. وسواء ظن البعض أن الاستيلاء على مال الغير بالخداع أو الإيهام حلالا وكسبا «بالفهلوة».. وسواء استغل الزوج أو الأقارب الذمة المالية المستقلة للمرأة.. وهي «فاهية» راضخة وربما لا تدري.. مثل سلك الكهرباء المكشوف للرياح والمطر.. إلا أن الأكيد المؤكد أن الجزاء ينتظر تغريما وسجنا وتشهيرا بين العباد.. والعقبى يوم الدين.

فإلى الهامورات.. «بيضوا الوجوه بلاش فضايح».

smileofswords@