خالد عمر حشوان

العودة للحياة الطبيعية بعد رمضان والعيد

الثلاثاء - 23 أبريل 2024

Tue - 23 Apr 2024

الإنسان كائن نهاري بطبيعته التي خلقه الله عليها، ليعمل في فترات النهار وينام بالليل. كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا*وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} (النبأ-10/11). لذلك، نجد أن الموظف الذي يضطر للعمل ليلا لديه مشكلة عدم توافق أوقات النوم والاستيقاظ وحاجة الجسم العضوية. وبطبيعتنا نحن المسلمين تتغير حياتنا في رمضان المبارك، بسبب تغير طبيعة الحياة والعبادة فيه، خاصة بسبب صلاة الليل، كالقيام طوال الشهر والتهجد في العشر الأواخر منه، طلبا للأجر والثواب من الله وإدراك ليلة القدر. وقد تمتد هذه المشكلة لتشمل أيام العيد المبارك وزيارات المعايدة والتواصل مع الأهل والأحباب والأصدقاء والمناسبات العائلية، وتبدأ معها الاضطرابات في النوم وصعوبة العودة للحياة الطبيعية لما قبل رمضان للموظفين والطلاب بسبب عدم استعادة الجسم لنشاطه الطبيعي، والإحساس بالإرهاق والخمول والتوتر وتقلَّب المزاج والأرق عند البعض، خاصة في فترات الليل، والتي تؤثر في إنتاجية الموظفين وأدائهم، والطلاب في تركيزهم واستيعابهم. لذلك، أكد بعض المختصين في اضطرابات النوم أن العودة للحياة الطبيعية وتعديل الساعة البيولوجية أو الحيوية للجسم بعد رمضان والعيد، تختلف من شخص لآخر. فالبعض يمكنهم التعديل سريعا، وهم الأقلية، ولكن الغالبية تحتاج إلى 5 أيام على أقل تقدير، بمعدل ساعة تعديل يوميا حتى يصل فيها الشخص إلى النوم بين الساعة الـ11 و الـ12 ليلا.
هناك نصائح عدة تسهم في التغلب على هذه المشكلة والعودة للحياة الطبيعية، والتي يُسمِّيها بعض الاختصاصيين النفسيين "غيبوبة العيد". من هذه النصائح الرغبة الجادة من الشخص نفسه للعودة، بإدارة وتنظيم الوقت والانضباط الذاتي، والالتزام بساعات النوم الطبيعية والكافية والتي هي من 7 إلى 9 ساعات، حسب الفئات العمرية، والاستيقاظ في أوقات محددة، والبعد عن النوم الزائد عن الحاجة، وعدم البقاء في السرير فترات طويلة، وتجنب السهر والمجاملات والدعوات في أوقات متأخرة من الليل، والابتعاد عن الأجهزة التي ترسل الضوء الأزرق قبل النوم بنصف ساعة، وحبذا استغلالها في القراءة والاطلاع للمساعدة على الاسترخاء والاستعداد للنوم، مع تهيئة بيئة النوم لتكون مريحة وهادئة وبأضواء خافتة، والعودة للنظام الغذائي الصحي الطبيعي الذي يتمثل في 5 وجبات يومية، 3 منها رئيسية، أهمها وجبة الفطور الصباحية التي تمد الجسم بالطاقة الكافية للنشاطات اليومية، ووجبتان ثانويتان، والبعد عن الوجبات السريعة والغنية بالدهون المشبعة والكربوهيدرات المكررة والسكريات التي تزيد في فترات العيد، والتركيز على الخضراوات والفواكه والبروتينات، والبعد عن مشروبات الكافيين والمنبهات قبل النوم بـ3 ساعات، وشرب الكثير من الماء طوال النهار، لتعويض السوائل المفقودة خلال الصيام، والعودة لممارسة الرياضة التي تم تركها أو التخفيف منها في رمضان وإجازة العيد بطريقة تدريجية، خاصة في فترات النهار لطرد حالات الكسل والخمول والشعور بالنعاس، واستثمار أوقات الفراغ بإعداد برامج خاصة وأنشطة مختلفة وممتعة للنفس، للتغلب على فترات النهار والاستفادة منها وعدم النوم فيها، لأن الضوء الطبيعي يساعد في تنظيم الساعة البيولوجية وتعزيز مستويات فيتامين د والشعور باليقظة والرفاهية. كما يمكن تعزيز التركيز والتفكير والتنظيم بطريقة صافية، تساعد على نقل الدماغ من حالات النوم في رمضان والعيد إلى حالات اليقظة وتحسين الوظائف المعرفية وزيادة النشاط، للعودة للحياة الطبيعية مع التحلي بالصبر في العودة وعدم الاستسلام، لأن ذلك قد يستغرق أياما معدودة، كما ذكرنا.
أما أنا شخصيا، فأرى أن هذه النقلة النوعية في حياتنا ـ نحن المسلمين ـ والتغيير في نمط الحياة، له فوائد كثيرة، منها عدم التعود على نمط معين والتعايش مع متغيرات الحياة، وترويض النفس وتهيئتها على التكيف مع متطلبات الحياة والدين والعبادة، وإعداد الجسم لقبول التغييرات من وقت لآخر، والإحساس بمعاناة الموظفين الذين يعملون في فترات الليل وبورديّات تختلف أسبوعيا، ونعمة الله علينا نحن الخلق في جعل "الليل لباسا" أي ساترا لنا بظلامه كاللباس، "والنهار معاشا" كي ننتشر ونطلب فيه معايشنا، ناهيك عن الأجر العظيم الذي يحصل عليه الصائمون والقائمون في رمضان، وفضل العشر الأواخر فيه وإدراك ليلة القدر، وصلة الأرحام والأقارب في العيد، وشفاعة الصيام والقرآن للمسلم يوم القيامة، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ، يقولُ الصيامُ: أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه، فيَشْفَعانِ" (الألباني-صحيح الجامع).