شاهر النهاري

والله لأخلي عيوني وعيونه أربعة

الاثنين - 22 أبريل 2024

Mon - 22 Apr 2024

في الأزمات السياسية الأخيرة يصيبني مزيد إحباط، ويغلب حماري، وأعقد العزم على عدم إرهاق نفسي في محاولات فهم ما يحدث حولنا من خبال كالخيال.

ولكن بعض الأحداث الناشزة تظل تستفز عقيرتي، وتشد أذني، وتزاول الزغللة على عيني، مثلما حدث في ضربة إسرائيل لسفارة إيران في سوريا، مبيدة قضها وقضيضها عن وجه الأرض، بما يشابه الحروب النووية.

ضربة مفجعة، جعلت إيران تغضب وتزمجر، وتتوعد بالاحتفاظ بالحق في الرد.

وأمريكا وكما في بيوت تعدد الزوجات وحينما يضرب ابنها أحد الأخوة المستضعفين، تضطر العمة للتدخل لفض النزاع بطريقة، تراضي المضروب، ولا تؤثر على ابنها المفتري، فتغمز له وتقرص ثوبه وتهدده: والله لو تعاود ذلك، لأجعل عيوني وعيونك أربع!

الصغير المعنف لا يستوعب الإجراء، ولكن دموعه تتوقف بشكلية العقاب المخادع والتوعد الزائف، وتمكينه من ضرب طرف ثوب الضارب المفتري، والذي يظل يضحك، ويتملص مستهترا، وطموحاته تزداد عنفا وتنوعا طالما أن العقاب تمثيلية مسيسة كاذبة.

العمة هدفها أن يتعايش ابنها مع أبناء طليقات زوجها، ودون جلبة، هي في غنى عنها، بين جهودها بأعمال نظافة وترتيب المنزل، والطبخ، وتنسيق اجتماعات الأسرة والجيرة القادمة، حيث يعتبرها الكثير الرأس المدبرة، وحلالة العقد، فلا يتحركون خطوة دون رضاها ومشورتها ودعمها!

سياسة العمة ربة البيت المنحازة لا تصنع الحلول الجذرية، فأهدافها تسيير مواقف آنية، وإرضاء الجميع بمجاملات شكلية ووعود كاذبة وتهديداتها تضيع في الهواء، بتحيزها الدائم لابنها المجرم، المؤيد بقوة الفيتو، ودعمه، وتمكينه من كامل طموحاته ليتقوى ويضرب ويردع ويضايق ويسيطر على إخوته من أبيهم، من تكرههم العمة، وتعلم أن أمهاتهن مطلقات لا ينافسنها في السيطرة وفرض القوانين والشروط.

تلك هي حكاية أمريكا مع افتراءات ابنها إسرائيل، وأوهام أخوه إيران، الذي يظل حائرا يتحسر ويحتفظ بحقه في الرد.

كوميديا سياسية جعلت إيران ولأول مرة تنتقم، بضربة صاروخية ومسيرات متفق عليها، ويكفيها فخرا أن الأم قد هددت الضارب، بجعل عيونها وعيونه أربعا!
خناقات ألهبت أجواء الشرق الأوسط، وشغلت العالم وأنذرت بحرب عالمية.

ولكن العمة المتورطة ستفتعل أي شيء، للمحافظة على مكانتها المتأملة، فالصغار كارهون لبعضهم وحاقدون، ولن يكبروا وينسوا، ما يجعل سياسة: ضربني وبكى، سبقني واشتكى، تسود في عصر هيمنتها، وبما يمكن تسميته: سياسة أمك!

الأثر المترتب على سياسة العمة عظيم الخطورة في سوء علاقات البيت والجيرة، وفوضى الاقتصاد العالمي المتردي بمعظم أشكاله منذ أزمة كورونا، وتأثيراتها على تكوين وتشويه الصداقات والمحاور الدولية، والتشريع لأزمات تفوق حرب روسيا وأوكرانيا، والباكستان والهند وأفغانستان، والسودان، وغزة وإسرائيل وتدخلات الحوثي، وما سيتبع من تغيرات الخارطة الدولية، ورسوخ الضغوطات، وانتهاز الفوضى الحاصلة لنيل حصص من الهيمنة، مثلما تفعل إيران وكوريا الشمالية، وغيرها.

رؤية العمة يجب أن تفصل البيت والمطبخ عن تحريك السياسة الدولية، وميل العدالة، وهذا يشرع للشرور، ويزيد الخوف والفوضى خصوصا في شرقنا التعيس.

كل نبيه مستشرف لا بد أن يتعلم مبادئ الحساب البسيطة، ويدرك أن عيني عمته وعيني ابنها أصلا أربع، لا يبدلها التهديد الزائف، ولا الضرب في الهواء، ولا الوعود بالإنصاف وتبني السلام، الذي لا يحضر.

shaheralnahari@