زيد الفضيل

مراقب في وسط العاصفة

السبت - 20 أبريل 2024

Sat - 20 Apr 2024

شاءت الأقدار أن أكون في مطار الملكة علياء الأردني لحظة إغلاق الأجواء الأردنية بسبب أعمال التشويش الالكتروني من قبل دولة إسرائيل، جراء قيام جمهورية إيران بإرسال مسيراتها وصواريخها ردا على خرق الكيان الإسرائيلي لقواعد الاشتباك الدولي واستهدافها لموقع القنصلية الإيرانية بسوريا بضربة عسكرية مباشرة.

في تلك الأثناء وحرصا على سلامة الناس جرى إفراغ المطار من كل المسافرين، وإيقاف كل أعمال الطيران ذهابا وإيابا، وتم تأجيل كل الرحلات إلى وقت يتم تحديده لاحقا، وفي حينه اتخذت قراري بالذهاب سريعا إلى فندق المطار لأجد لي مكانا قبل أن يزدحم، ولأكون قريبا من صالة المغادرة بانتظار فتح الأجواء.

وكان أن تم ما أردت، وكنت من أول الواصلين للفندق إن لم أكن أولهم، ومع استقراري أخذت أتابع القنوات الإخبارية المتلفزة والالكترونية، واهتممت بالنظر إلى القناة الأولى الأردنية لأشهد تصريحات وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية معالي الدكتور مهند مبيضين، إذ مهم جدا لمن كان في حالتي أن يعرف الأخبار من مصادرها، وكانت التصريحات شافية ودقيقة ومطمئنة مقارنة بتصريحات بعض القنوات الإخبارية الشهيرة، التي شعرت وكأنها تريد حدثا تشبع فيه لطما.

حقا كم هي تجربة فريدة، أن أكون وسط الحدث وليس مشاهدا له من بعيد، أخذت أتجول في أروقة الفندق بعد مضي ساعات من ابتداء الحالة الأمنية، وصرت أرقب عيون الأطفال ووجوه آبائهم وأمهاتهم، ورأيت كم هي حيرتهم كبيرة؛ الكل مترقب ويستشعر خوفا من مجهول قادم، وحتى أنا كنت معهم في ذلك.

كنت خائفا من أن تتوسع الحرب بين إيران وإسرائيل ولاسيما في ظل التصريحات الهوجاء من قبل الحكومة الإسرائيلية التي تمارس بلطجتها بدعم ومساندة الحكومة الأمريكية والغرب الصهيوني، وكنت ولا أزال مدركا بأن أي رد عسكري من قبل إسرائيل على الضربة الإيرانية المعلنة، والتي تأتي جوابا على خرق إسرائيل لقواعد الاشتباك بقصفها لأرض إيرانية في أرض سورية، سيواجه بضربة إيرانية أقوى، وفي هذه المرة ستتوسع دائرة الحرب لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، في مقابل روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران.

هكذا بدأت الحرب العالمية الأولى، وفي مثل هذه الظروف اندلعت الحرب العالمية الثانية، واللتان تركتا ملايين القتلى، ونتج عنهما دمار أوروبا.

أما الحرب الكونية الثالثة وأسأل الله ألا تكون، سيكون من نتائجها فناء البشرية، وحتما نحن أولهم بحكم أننا نمثل أرض المعركة فيها، وليت أولئك المؤججين بحمق، يدركون عواقب ما يكتبونه بجهل، ويتحدثون به بغباء.

للحظة أخذت أفكر في عواقب هذا السيناريو، وصرت أشهد القلق في عيون الناس على اختلاف جنسياتهم، على إني صرت أقرب فهما لحال أهلنا في غزة، وأهلنا في السودان، ممن شردتهم الحرب الظالمة، وشتت مصيرهم، فتراهم يمشون حاملين حياتهم على أكتافهم، ويرجون فقط لحظة أمان واستقرار، وهو حالي وحال من رأيت مع الفارق بيننا وبين من استشهدت بهم.

حقا ما أعظم الأمان وما أعزه وأغلاه، والحمد لله على ما من الله به علينا في وطننا من نعمة الأمن والأمان، ومتعة الاستقرار والعيش بكرامة وراحة، وهي نعمة لا يراها إلا من يفتقدها، وأحمد الله شكرا لأن يديمها علينا، وبالشكر تدوم النعم.

أشير إلى أن كل مآسينا راجع إلى تعنت وبلطجة الكيان الإسرائيلي وليس إلى غيره، فهي تحتل أرضا عربية منذ أكثر من 75 عاما، وترفض الاعتراف بحل الدولتين الصادر بقرار أممي وافق عليه العرب وأيدته إجماعا بعد دعم المملكة العربية السعودية له في قمة بيروت عام 2002م، وبالرغم من بدء مفاوضاتها مع الفلسطينيين وتوقيع اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية والتي بموجبها تم إقامة سلطة مبتورة لا قيمة لها في جانب صغير من الأرض الفلسطينية المحتلة، وبالرغم من توقيع معاهدة سلام مع مصر والأردن وبعض البلدان العربية، إلا أنها لم ترع، بل ولم تهتم لكل هذه المبادرات، وأقدمت على إبادة الشعب الفلسطيني في غزة طوال هذه الأشهر، وصار هدف رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزرائه الهروب إلى الأمام حفاظا على أنفسهم من المحاكمة، ولو كان ذلك بحرق المنطقة والعالم بأكمله.

فهل من عاقل مدرك فينقذ المنطقة والعالم من جهالة نيرون العصر وحماقته؟!

zash113@