محمد علي الحسيني

فقه الصدقة

الثلاثاء - 16 أبريل 2024

Tue - 16 Apr 2024


يعد الإنفاق في سبيل الله من أعظم ما يهتم بأمره الإسلام سواء كان ذلك إيجابا أو ندبا؛ كالزكاة والكفارات المالية، وأقسام الفدية، والإنفاقات الواجبة، إضافة إلى الصدقات المستحبة، وهي محور كلامنا. فالصدقة لغة تعني: ما تطوع به الإنسان، أما اصطلاحا، فهي: «إعطاء المال للغير تبرعا بقصد القربة»، فيدخل فيها الزكاة والكفارات والعطاءات المستحبة، ودليل مشروعيتها قوله تعالى: ﴿مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسعٌ عليمٌ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون﴾.

وقد حذر سبحانه وتعالى الذين أنعم عليهم ولا يؤدون زكاة أموالهم في قوله: ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم﴾. أما رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار)، فقد حبب للمؤمنين الصدقة ودعاهم إلى الإقدام عليها في قوله «أكثروا من صدقة السر فإنها تطفئ غضب الله (جل جلاله)» وقوله «داووا مرضاكم بالصدقة».

الصدقة بأنواعها عبادة وتطهير للمال والنفس
إن مجال الصدقة والتصدق واسع جدا؛ منها: صدقة السر وصدقة العلانية، وقد قال مولانا العظيم:
﴿إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبيرٌ﴾، وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قوله: «صدقة السر فإنها تكفر الخطيئة، وصدقة العلانية تدفع ميتة السوء».
وإن الصدقة السرية والعلانية تحتاج إلى نية القربة إلى الله (عز وجل) لتصل إليه مباشرة فيتقبلها، فقد جاء في القرآن الكريم: ﴿ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم﴾، وفي حديث النبي (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «إن الصدقة أول ما تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد السائل».

شروط الصدقة
إن للصدقة شروطا للمحافظة على أجرها وثوابها، ومن بين شروطها عدم المن على من نتصدق عليه، لما يسبب ذلك من أذية وحرج وهذا ما أكدت عليه الآية الكريمة: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى﴾.

كما يجب عدم إبطال الصدقات بالرياء والسمعة، فيكون الإنفاق والتصدق لأجل أن يحمده الناس، وليس لوجه الله، فهذا ما لا يقبل منه أبدا. ونذكر ما جاء في رسالة الحقوق للإمام علي زين العابدين بالنسبة لحق الصدقة: «حق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عز وجل، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها، فإذا علمت ذلك بما استودعه سرا أوثق بما استودعته علانية، وتعلم أنها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة، ثم لم تمتن بها على أحد لأنها لك».

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) أمرنا أن نتصدق على الفقراء والمساكين، كما قال تعالى: ﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس﴾.

خلاصة فقه الصدقة: إن الله (عز وجل) ابتلى بعض الناس بالفقر امتحانا لهم وطلب منهم الصبر عليه وتحمله، ولهم الأجر ورفيع الدرجات والفوز بالجنان إذا صبروا وأطاعوا. في المقابل ابتلى بعض الناس بالغنى واليسر المالي امتحانا لهم، وطلب منهم عدم البخل والتلهي بالمال والأولاد، وأمرهم بالبذل والعطاء وإيتاء الزكاة ودفع الصدقات، بل جعل لذلك أهمية وخصوصية وميزة لدرجة أن يتمنى الميت إرجاعه إلى الدينا لأداء أمر واحد وهو التصدق، ليكون في مرتبة الصالحين، ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين﴾.

فالمتصدق هو في الآخرة من الفائزين برضا الله وطاعته وهو من الصالحين الذين أنعم الله عليهم بجنات النعيم.


sayidelhusseini@