عبدالله سعود العريفي

لاقيني ولاتغديني

الثلاثاء - 16 أبريل 2024

Tue - 16 Apr 2024


جاء ذات مساء حزينا غارقا في الهم قلق البال مغموما بعد أن عاد من زيارة قريب له استقبله بوجه عبوس وشفاه منحنية وتقطيب ما بين العينين، وقد كشر وقلب شفتيه غيظا وكمدا وتجعدت جبهته لإبداء الاستياء وعدم الرضا؛ فهو لا يريد أن يكون مبتسما ولا يود أن غيره يبتسم، واستطرد بعد أن مد أنفاسه وأخرجها بقوة ألما وكدرا قائلا: مجرد رؤية ذلك الوجه العبوس الذي قد غشيه الوجوم يصيب الإنسان بشيء من الكآبة وتغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن، ويكدر عليه صفو يومه ويصرفه عن العمل ويمنعه عنه بل ربما يسبب العدوى؛ فينشر العبوس ويسري إلى الآخرين فيتعاملون مع غيرهم على هذا النحو السيئ الذي يسبب التصادم والتقاطع بين الناس وبالتالي يؤثر بشكل سلبي على المجتمع بأكمله.

الإنسان ذو الوجه العبوس إنسان يحمل في كيانه النفسي بعض الرواسب والخبرات النفسية المؤلمة ويعيش حياة مليئة بالصعاب مع كل المحيطين به؛ فهو غير مقبول من الجميع وغير مستقر عاطفيا ويعاني من تقلب قوي في المشاعر والعواطف، ويجد صعوبة في أن يشعر بالثقة والأمان في علاقاته مع المقربين منه ويعاني من نقص شديد وانخفاض كبير في التحكم في الانفعالات، لذلك لا يطمئن إليه حتى أقرب المقربين منه ولا يضع أحد ثقته به لأن ثقته أصلا في نفسه مهتزة وبالتالي لا بد أن تكون ثقة الآخرين به أكثر اهتزازا.

طلاقة الوجه والتعامل ببشاشة تضفي جوا من البهجة والأمل في مستقبل أفضل وهي علامة على الصحة النفسية وتبرز قيم الذوق والاحترام للآخرين وتعبر عنها تعبيرا حيا.

والبشاشة الصادقة والتلطف ولين الجانب والرفق بالناس طرق ميسرة ودروب سهلة للوصول للقلوب؛ فبها تذهب الوحشة وتتلاشى العزلة ويزول الانقطاع ويختفي الابتعاد عن الآخرين، ويحصل الاستئناس وتنشأ الألفة ويحل الاطمئنان محل الشك والتوهم والارتياب، وذلك على عكس التكشير والعبوس والاكفهرار الذي يشير إلى استصغار الآخرين واحتقارهم والاستخفاف بهم والاشمئزاز منهم، وهو سلوك منحرف عن الطبيعة السوية للإنسان إلى زاوية تعاملية باردة لا مبالاة فيها بشعور الآخرين بسبب شعور الإنسان بكثير من الاضطرابات على مستويات عدة، وهذا يؤدي – بلا شك – إلى قطع العلاقات بين الناس ويدفعهم إلى مبادلة من يتعامل معهم بعبوس وجفاء وغلظة وفظاظة، وهذا من أسباب انتشار الجفاء والنفور والمقت والاشمئزاز والشعور الدائم بالكره والبغض والخصومة والمباعدة بين الناس، مما يؤدي إلى سوء العلاقات واضطرابها وتوترها.

أكثر ما يجعل الإنسان يظهر بوجه عبوس أمام الآخرين أنه أساسا يشعر بالقلق يعتريه والرعب الشديد منهم ينتابه وبالتالي لا يتقبل أي شيء منهم ويحاول تجنبهم والبعد عنهم، وعند رؤيتهم يشعر بالتجهم والعبوس تجاههم ويقطب وجهه وحاجبيه، ويمكن التخلص من ذلك والنجاة بيسر عن طريق إزاحة فكرة التوجس والارتعاب والخوف والفزع من الآخرين، سواء كانوا غرباء أم أقرباء، وهذا هو الطريق الأول وربما الأهم لحل مشكلة أي وجه عبوس، والحياة بسيطة لا تحتمل التعقيد، ولا عجب أن يقرأ في عيون من يلتقي بهم هذا المثل «لا قيني ولا تغديني» مع ما فيه من دلالات عميقة على التعامل أي استقبلني بوجه بشوش مبتسم ضاحك فرح وعبارات ترحيبية جميلة ولا تقدم لي أنواع الأطعمة وأشكال المشروبات بتبرم وضجر وصدر ضيق ووجه عبوس.