شاهر النهاري

العودة عقب الأعياد

الاثنين - 15 أبريل 2024

Mon - 15 Apr 2024

تخيلوا حياة متطابقة أيامها ليس بها وقفات ولا تحولات واختلافات، كيف سيكون عبورها مملا على أنفس البشر؟

للأعياد قدرة التغيير، ورسم الذكريات، والخروج من حلقات السلسلة، ذات النبضة المتماهية، تستحث زفرة إخراج هم ثقيل وحساب للخسائر والأرباح، ومهما بلغت قدرات الإنسان العقلية وما يمتلكه من مبهجات.

العمر يكره تكرار عيش مسدسات خلية نحل جبلي، ويستحلي المرارة مرات، ويحاول تلافي اللسعات الخفيفة والمميتة، تجارب شخصية، تمر على الفرد بتأثيرات الجموع، يشارك في صنعها وتحويرها ومجاراتها، وكم يتمنى الهروب منها.

فصول السنة تكتلات أحجيات متاهات متعاقبة، ربيعها شم نسيم وحساسية، وخريفها حيرة وجفاف وترقب رياح وأمطار وزوابع قد تكتب الفواجع، فنفقد الثقة بما نلبس ونشرب ونعقد العزم عليه.

شتاء يبحر بين أمواج المفارش ندفن أنفسنا بينها، بأحاسيس الرعشة، وخشية اللفحة، وحفاف وتقلب مزاج يغلق النوافذ، ويقلص عمق الصور، بمشعاب عصيدة الأضلاع.

الصيف اللعوب، يتعرى ويغرينا بتبدل بشرة الصور، وحنة المكيفات، توسط تخيلي، نقابل في اليوم الواحد فصولا خمسة، نهرب منها لبعضها.

لا ثبات لمسار السنة، بين ارتباطات عمل، ومدارس وزحام وأمزجة مجتمعية، وانتهاز فرص تملص من حلقات روتين ملتحمة، ولو في نهايات الأسابيع، نرتجى التقاط أنفاس الثقة باللمعة، وتحطيم بعض القوالب حولنا.

البعض يمتلك لياقة وقدرة التأقلم مع المستحدث ببسمة لا تكترث، ومزاج تطويع الأجواء والمناسبات والظروف والصدمات، يجامل الأقربين، ويشعرهم بأن الحياة غنوة ما أحلى أنغامها، أو يحيلها حديقة خلفية لا يمل الحفر فيها عن أثر، بهواجس المفاجآت، وحسب قدرته على التأقلم مع سعادة، وبعض شكوى، وتأمل.

عقب العيد عودة معاندة روتين صور الحياة العملية، نجهد بتقليبها على أمل سعادة ما بعد التغيير، وفاصل، وفرامل إخلال توازن مقص العجلات.

مشاعرنا وقدراتنا المالية وتطلعاتنا، هي ما يحدد فنارات بهجاتنا بين أمواج الأيام، نختلف فيها بالمقدرات والحوز والصبر، وكثيرون يبلغون مناطق الضعف، والانزواء والانكسار، والبعض يبدعون في إيجاد إبر كومة قش الفرص مهما صغرت، يحيكون بها جاكيت صمودهم.

تخيلوا حياة تدور عجلتها المثلمة على نفس نمط الثور الأعمى، طوال العمر، أليست حياة ربوت لا يستلذ مهما كثرت أرقام جودة أدائه؟

ما أجمل أن نحمل مشاعر بشرية فتية طرية نتأقلم بها ونتطور دون شحن بطاريات!، نخطط وننفذ ونستعيد تصنيع لذة التأمل بالقادم، والقيام بعد كل سقطة، نداوي الركب، ونمسح الجبين ونقارن بين أمسنا وأمس الآخرين، ونشعل الذكريات بثقاب الحنين، ونخلق صور التجمل لقصص خيال وواقع عشناها، ومغامرات أحرجتنا، وأمراض شفينا منها، وفقد أحبة، وكوارث تعديناها، ومشاكل نفسية، وإحباطات دفناها وسط أضلاع الرماد، ودمعة تعانق بسمة، وضحكة نظل ننتجها لذة، ونؤمن بقدرتها على جعلنا أكثر سعادة، وأكثر تمكنا أمام أنفسنا.

كل ذلك ونحن نعلم، ولكننا ننكر سيرنا حفاة على حدبة الحياة المنحنية، بكل مشاعرنا ومعارفنا وطموحاتنا وتهورنا وإنكارنا، ومهما شملنا اهتزاز ورقص أو انكسار.

جبروت الإنسان خير متأقلم بذاته على الظروف، والتطور غبي، والتمكن قد يصح، وربما يخدع، ومهما أخفقنا نظل نتقدم، بعمر وصحة نترك الأثر، طالما أننا نعيش وطنا نحبه ونرتاح فيه ونحميه بكل مقدراتنا ورؤيتنا النفسية والعقلية والجسدية والمادية، حبال على عجلة تاريخ خشبي يدور.

shaheralnahari@