زيد الفضيل

التكامل السياحي السعودي الأردني

السبت - 13 أبريل 2024

Sat - 13 Apr 2024


في ظل الوضع الإقليمي المتأزم جراء استكبار إسرائيل وعدوانها المستمر غير الإنساني على شعب غزة المحتل، تبرز تداعيات الأزمة على بعض دول الجوار، وبخاصة مملكة الأردن التي تمثل عمقا استراتيجيا للوجود الفلسطيني، وتشكل الداعم الأكبر للفلسطينيين طوال العقود السالفة وصولا إلى محنتهم اليوم، وهو ما يزعج الكيان الإسرائيلي الذي يستهدف تصدير أزمته إلى دول الجوار، بخرق قواعد الاشتباك المسلح من جهة، وتضخيم ردة فعل المجتمع الأردني من الأزمة، وللأسف فذلك ما لا تدركه قيادات الإسلام السياسي التي تنظر للأزمة من منظار محدود وضيق، وتفتقد الحكمة في هدف الحفاظ على بقية البيت من الاشتعال، والحد من حجم الخسائر، لاسيما مع عدم امتلاك القدرة حاليا على مواجهة الواقع المؤلم.

أمام هذا الموقف يصبح مهما أن تهتم دول الخليج العربي وبخاصة المملكة العربية السعودية بتعزيز أمن الأردن الداخلي حتى لا يسقط في فخ الفوضى بحجة مناصرة أهلنا في غزة، وهو واجب مرتبط بعلائق الأمن القومي للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي جملة.

وحتى يتحقق ذلك بكفاءة واقتدار، يجب أن تنخرط الأردن في مشاريع تنموية تخفف من غلواء البطالة التي تستغلها الحكومات المغرضة، وتسهم في دعم الأردن ليكون قوة بناء إيجابية في مسيرة التطور والبناء في المنطقة وفق رؤية سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله، والتي أعلنها في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار عام 2018م؛ وأتصور فإن الاستثمار في التنمية الزراعية، والاستفادة من زخم الذاكرة التاريخية لتعزيز السياحة الدينية والأثارية، هما أهم مجالين يمكن أن يتم دعمهما بشكل عملي.

في هذا الإطار أشير إلى أني وخلال زيارتي الأخيرة للأردن قد وقفت على عدد من مقامات الصحابة رضوان الله عليهم، وعديد من المآثر الدينية الإسلامية، والتي تمثل امتدادا لما هو موجود في أرضنا السعودية، التي شع منها نور الإسلام وامتد إلى آفاق واسعة شرقا وغربا، شمالا وجنوبا.

وكانت أجناد الأردن أحد مسارات الطريق للسالكين من صحابة وأتباع رسول الله، ممن نقلوا الرسالة المحمدية على أكتافهم وبدمائهم، واستقرت أرواح بعضهم الطاهرة وأجسادهم الشريفة في تلك الآفاق ليكونوا بمثابة الشاهد والشهيد.

هكذا قرأت المشهد وأنا أقف زائرا لبعض مقامات الصحابة رضوان الله عليهم في الأردن، ووجدت أن كمال استحضار وجودهم لا يكون على صيغته المثلى إلا باستحضار مسار خريطة سيرهم، الذي ابتدأ نوره من مكة المكرمة وطيبة الطيبة، وانتهى به في الآفاق بدءا بالأردن وصولا إلى أعالي تركيا حيث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه المدفون على عتبات سور القسطنطينية (استانبول حاليا).

في الأردن يقف الزائر مسلما على ابن عم رسول الله جعفر بن أبي طالب، وحب رسول الله زيد بن حارثة، وعبدالله بن رواحة، وغيرهم من المهاجرين والأنصار ممن قاتلوا قتال الأبطال، واستشهد منهم نفر قليل أمام جيش بيزنطي عرمرم، تمكنوا في نهاية المطاف بحنكة خالد بن الوليد من أن ينسحبوا تكتيكيا بعد أن أثخنوا الروم ومن معهم بالجراح، وكان ذلك في أحد أهم معارك المسلمين على تخوم جزيرتهم العربية وهي معركة مؤتة، تلك المعركة التي حدد فيها رسول الله ملامح وقيم قتال المسلمين للمسيحيين بقوله: اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً، ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء؛ وهي المعركة التي نقلها الله بكامل تفاصيلها لنبيه على الهواء مباشرة، ليطلع على أحوال أصحابه وجهادهم المستميت، ويرى مصرع من أحب، ويستبشر بمواضعهم في جنة الخلد عند عزيز مقتدر.

إنه مشهد عظيم لا تكتمل ملامحه إلا بربطه بالمدينة المنورة ابتداء، وبتبوك بعد ذلك، والأمر مثيله مع مقام أبي عبيدة عامر بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وغيرهم من صحابة رسول الله بالأردن، وهو ما يدعوني إلى تحفيز الشراكة السياحية بين الأردن والسعودية، لتكتمل خريطة السيرة النبوية على أقل تقدير، وهي خريطة ستكون لها منافعها الاقتصادية إن تم رسمها سياحيا بشكل سليم، وستعود بالنفع الوفير على البلدين، لكونها ستجعل من السعودية والأردن مركزا رئيسيا في السياحة الدينية، لاسيما إذا تم توسيع دائرتها لتشمل طريق الأنبياء، بحيث يقف الزائر على مقام نبي الله شعيب بالأردن، وعلى أرضه بشمال السعودية.

ما أحوجنا إلى بناء منظومة تكامل سياحي بين السعودية والأردن، والتي تتقاسمان بنسب مختلفة منظومة البناء السردي للذاكرة التاريخية، فعمق مدينة البتراء في العلا، وامتداد الذاكرة الإسلامية في الأردن، وحتما فالعالم متشوق لرؤية الصورة مكتملة وفق آلية تنظيمية سلسة، يعود نفعها على اقتصاد البلدين بشكل كبير، وكل عام وبلدينا بخير وسلام.


zash113@